عرفتُكِ مذ تفتّحتْ عيناك على النور. كانت لك مواعيدُكِ في هذه الحياة. ولكنّك، أمس، قفزتِ إلى موعدٍ أبديّ. رأيتُكِ في المستشفى مرّاتٍ تحوط بك بحورٌ من الدموع. لم أرَ لآلئ عينيك سوى مرّة. كنتِ تسعين دائمًا إلى أن تشدّدي الذين معك. استعجلتِ كثيرًا، يا بُنَيَّة. هناك أشياء في الحياة لا نفهمها. لكنّ ما نثق به ...

عندما يزدادُ عدد الذين يُكثرون الكلامَ باطلاً، تزدادُ الحاجةُ إلى أناسٍ يزرعون في الأرضِ ثقافةَ الصمت.

لا أفهم الكاهن الذي يقول لرعيّته: "الذي منكم يحبّ أن أزوره (في موسم الغطاس أو غيره)، فليعلمني". أعلم أنّ بعضَ الناسِ وجوهٌ موصَدة! ولكنّ افتقادهم أمرٌ إلهيّ. لا تسمح كلمات يسوع: "كلّ مدينة لا يقبلكم أهلُها، فاخرجوا منها..." (لوقا ٩: ٥) بأن نشترط على الناس أن يقبلونا، لنزورهم. "فاخرجوا" تطلب أن ندخل عليهم نحن أوّلاً. ...

بما أكتبه في هذه الزاوية اليوميّة، أكشف لكم بعضًا ممّا يأخذني، يأتيني هدايا أو أصادفه في يومي. يحزنني أيُّ أبٍ (أو أمّ) يعتقد أنّ إيماننا بحرّيّة أولادنا يلزمنا، متى بلغوا، أن نتركهم على هواهم. هذه استقالة، لا تُبَرَّر، مِن تَعَبٍ معلوم. لا أشجّع أحدًا على أن يتسلّط على بنيه، بل أشجّع الأصدقاء، أهلاً وبنين، على ...

الآن وهنا هو العنوان الذي اختاره قدسُ الأب جورج مسّوح لكتابه الجديد. الكتاب إضاءات على مواضيعَ راهنةٍ سجَّلَ الكاتبُ رأيًا فيها. ولكنّ رأيَ الأب جورج هو رأيُ الكلمة. هذا تُبديه، في الكتاب، الاستشهاداتُ الغزيرةُ التي استلَّها من الكتبِ المقدّسةِ وتآليفِ آباءِ الكنيسة. يبدو الأب جورج، في غيرِ فصلٍ فَتَحَ فيه سطورَهُ على ما يحدث "الآن" ...

التقى شخصان في السوق. تحدّثا سريعًا. ثمّ ذهب واحدٌ يتبعُ مشاغلَ تنتظره. وصعد الثاني إلى ديرٍ يزوره. في الدير، أخبر الزائرُ رئيسَهُ: "التقيتُ بابنك الروحيّ في السوق". أجابه الرئيسُ من فوره: "أنا وحدي أعرف مَن هم أبنائي الروحيّون". أستعيد هذه الكلمات كلّما سمعتُ أحدًا ينسب نفسَهُ (أو صديقًا له) إلى أبيه الروحيّ. ماذا أراد هذا ...

مُذ التقينا، أردتني أن أدرك أنّنا صديقان. لم أعلم برحيلك. هذا جرحني. لكنّ ما أعلمه عنك يضمّد جروحًا كثيرة. أنت إنسان نادر، فعلاً. عندي أصدقاء رُتِّبت لهم مواعيد مع عمليّات جراحيّة حكم أطبّاء من اختصاصك أنّ عليهم أن يُجروها. قلتُ لهم: "لا يُجري إنسانٌ جراحة، قرّرها له طبيب، إن لم يؤكِّد له طبيب آخر أنّ ...

جرحني ما قيل إنّه جرى مع فادي رعيدي في آخر عروض مسرحيّته في "ريجانسي بالاس". قيل إنّ بعض المشاهدين كانوا يضجّون في أثناء العرض. لم تحتمل ريتا، الزوجة الممثّلة، الضجّة. طلبت الهدوء... ثمّ قالت للضاجّين إنّ الأليق بهم أن يكونوا في مكان آخر، في حيّ من أحياء بيروت. سمَّتْهُ. قالت: "الروشة". فُهم قولُها إهانة! ساندها ...

الله، إن تبنا إليه، يُسكننا معه. أيّ شي آخر، نتصوّر أنّه يقرّبنا منه، إن لم يزد فينا محبّة التوبة، لا ينفعنا في شيء. إن صلّينا مثلاً، إن صمنا، إن طالعنا كتبنا، إن وزّعنا أموالنا على الفقراء...، أيّ شيء نفعله، إن لم يجدّد فينا أشياءَنا العتيقة، نكون قد أخرجناه من هدفه المبيَّن. لا أستنطق التراث المسيحيّ ...

وزّعنا، مرّةً، على مؤمنين أخدمُهم، سِيرةَ القدّيس أنطونيوس الكبير. السِيرة ثروة. ولكنّ واحدةً من الصبايا لم تُحقِّق لها السِيرةُ ما أَمِلَتْهُ منها. صار لازمةً على شفتَيها أن تسأل: "كيف تتحوَّل امرأةٌ إلى شيطان (كما وردَ في السيرة)؟". دعَونا إلى لقاءٍ عامّ. استعرَضنا فيه السِيرة. اتّفقنا على أنّها، مثل أيّ نصّ، يعوزها أن تُفسَّر. قبلتْ الصبيّةُ ...