2ديسمبر

٢٢ نيسان - ٣٠ نيسان

           ٢٢- كنتُ، اليوم، صاعدًا إلى الكنيسة، لأتمّم خدمتك. استوقفني رجل فقير لا يجمعني به دين واحد، وأعطاني وردة، وطلب أن أضعها على نعشك! أنا أعرفه. التقيت به مرّاتٍ عدّةً في حيّنا.

            كنت صاعدًا فارغ اليدَيْن. لم أفكّر في أنّ عليَّ أن أحمل إليك شيئًا معي.

            أنت سمعتني أطلب من المؤمنين جميعًا أن يفعلوا. لكنّني لم أفعل.

            أمّا ذاك الذي استوقفني من دون أن يسمعني، فأَخْبِرْني: كيف عرف؟

            هل يُعقل أن تكون أنت قد طلبتَ منه أن يفعل؟!

            حين التقيت به، لم أشعر بأنّه كان ينتظرني. شعرت بأنّ الأمر تمّ بالمصادفة.

            هل يُعقل أن تكون أنت، وأن تكون قد حدّدت له لحظة مروري أيضًا؟!

            إن كنت أنت، فماذا أردتَ أن تقول لي؟

            هل أردتني أن آخذ الوردة فحسب، أو أن أتعلّم منك شيئًا جديدًا؟

            يا إلهي، كم أنت قاسٍ أحيانًا!

            اخترت فقيرًا، هذا لم يدهشني. ما أدهشني أنّه "غريب"!

            يا لَهذا التكليف!

            أنا أعرف أنّك تحبّ الجميع. لكنّني لم أنتظر أن تكون لك علاقة وطيدة بـ"الغرباء"!

            هل تواصل "الغرباء" أيضًا؟!

            لِمَ لمْ تطلب منّي ما تريده منّي؟ هل تعتبرني شخصًا يرى نفسه فوق ما يطلبه من سواه؟ هل أردتَ أن تذكّرني بوردة أنّني تحت ما ترغب فيه؟

            بوردة!

            ٢٣- شدّني، مساء اليوم، برنامج دينيّ على إحدى محطّات التلفزة، وأدهشني. تقريبًا، كان كلّه مصقولاً. لكنّ دهشتي قطعها، قَبْلَ نهايته، حوار جرى بين ممثّلَيْن، أحدهما يقوم بدور كاهن، والآخر شابّ يهمّه الاحتكام إلى العقل في كلّ شيء. فهذا "الكاهن"، عندما صعب عليه أن يقنع محاوره بأهمّيّة المشاركة في الإفخارستيّا، رفع جسد الربّ عاليًا، وقال ما معناه: "سأجعله يقنعك"! وعلى إيقاع كلماته، تهاوت بعض قطرات دم على رأسه جعلت الشابّ يرتمي على قدميه، ويعلن أنّه يؤمن!

            ثمّة أناس ما زالوا "يطلبون آية". هذا لا يوافق إيماننا القويم أن نشرّعه. علينا أن نثق بقدرة "الكلمة" على صنع العجائب. الناس، عندما نحاورهم، يجب أن نعرفهم، وتاليًا، أن نتقن معهم أساليب الحوار كلّها. لا يعيب المحاور أن يطلب إلى الله أن يظهر مجده. فكلّ مسيحيّ ورع، في حياته وعلمه، يعرف أنّ الله هو الذي يردّ الناس إليه. ولكنّنا، ورعين، يجب أن نمنع أنفسنا من أن نزكّي أيّ روح غريب في سوانا، بل أن نؤمن، إيمانًا مطلقًا، بأنّ كرازة المسيح إلهنا الحيّ ستبقى إلى أبد الدهر "عثارًا وحماقة"، هي هي، "قدرة الله وحكمته". ثمّة آباء كبار اعتبروا أنّ العجائب لا يعوزها سوى الوثنيّين. ليس المسيحيّون وثنيّين. وإن بدا بعضهم أنّهم لم يتخلّصوا من يهوديّة مقيتة ووثنيّة غبيّة، فشأننا أن نسعى إلى أن نضيء قلوبهم بأن يحيوا في عجب المسيح المصلوب الذي لا يمكن أن ينقطع فعله في الأرض.

            قلت "إيماننا القويم" تعليقًا على برنامج ربّما لا يجمعنا مع واضعه إيمان واحد. لكن، نحن، جماعة الرأي القويم، ألا نحتاج إلى مَنْ يذكّر بعضنا بأنّ المسيح المصلوب هو شهادتنا وعجبنا؟

            ٢٤- المسيح قام!

            "لنصفح عن كلّ شيء في القيامة". هذه، عندي، دعوة الفصح العليا التي تؤكّد، ببلاغة عمليّة، أنّ ما أجراه المسيح من أجلنا يريدنا أن ننقله في حياتنا اليوميّة.

            معنى ذلك أنّ الجهاد لا ينقطع.

            أذكر أنّ أبانا البارّ يوحنّا السلّميّ، قال: "ليس للرهبان الحقيقيّين على الأرض عيد". وأيضًا: "لم يكن لآدم دموع قَبْلَ المعصية، ولن تكون دموع بعد القيامة". هذا لا يليق بنا أن نحصره بَمَنْ يذكرهم، بل شأننا كلّنا أن نبقى نمشي في خطّ جهاد موصول. الفصح، عيدًا، فرحٌ قائمٌ وموضوع أمامنا. أمّا الدموع التي نغسل فيها ما يعلق بنا من تراب، فعلينا أن نبقى نستجديها في هذه الحياة. "لا تبكي، يا امرأة"، التي قالها يسوع لمريم المجدليّة، لا تمنعنا من أن نبكي على أنفسنا اليوم، ما دام لنا يوم!

            لا أعرف لِمَ أكتب لنفسي، في الفصح، عن ضرورة الدموع. هل من أثر المعموديّة التي علا ذكرها أمسِ واليوم؟ يبدو أنّني أودّ أن أبقى أذكر أنّ الفصح لا بدّ له من أن يستمرّ في المياه!

            حقًّا قام!

            ٢٥- أقمنا القدّاس الإلهيّ صباحًا. لم نتلُ، في الصلاة السحريّة، المزامير التي نتلوها عادةً. هذا، الذي سيبقى حالنا طيلة أسبوع التجديدات في غير صلاة نؤدّيها، يدلّنا على عبقريّة الكنيسة التي تريد أن ترفعنا إلى الوعي أنّ المسيح الحيّ، الذي اشتهته الأجيال بتوثّباتها جملةً، هو مزمورنا الباقي.

            مَنْ شاركوا في الخدمة، لم يلاحظوا جميعهم أنّنا لم نتلُ المزامير. قلق السماء علينا أنّ ثمّة بيننا مَنْ لا يعرفون أنّ بلاغة التقوى تفترض أن نأتي إلى الكنيسة، في غير خدمة، سحرًا عميقًا.

            أمّا مَنْ لاحظوا، فـ"قطيع صغير" يُرَى أنّه يسعى إلى أن يكون "كلّه صلاة".

            بعد الخدمة، خرجتُ من الهيكل على حوار صاخب جرى بين بعض شباب وسيّدة تقيّة بدت غير مقتنعة بحجب المزامير أسبوعًا كاملاً. وبلغني صوت أحدهم يشرح لها ما ينبغي لها أن تعرفه.

            خير الكنيسة الفصحيّة أن يجري فكرها القويم في سواقٍ فتيّة.

            ٢٦- الناس يستقبلون المهنّئين في العيد. هذا يوافق أنّ قيامة المسيح تخصّ العالمين.

            تراهم كلَّهم مندهشين. يتعاطون حدث الفصح كما لو أنّه تمّ الآن. الكنيسة عظمتها أنّها تحيا في اليوم. وهذا يتبادله المؤمنون واثقين. غابت التحيّات المألوفة. واستقرّت تحيّة الفصح أنشودة سلام. بكلمات قليلة، يقولون لك كلّ شيء. كلّ المسيحيّة قائمة في: "المسيح قام! حقًّا قام!". بشارة هي؟ أجل، بشارة. عهد جديد؟ أجل، أجل. "زال القديم، وكلّ شيء جديد". الناس جميعهم ارتدوا حلّةً بيضاء كالنور تشبه الحلّة التي كان ملائكة يرتدونها في ذلك القبر الفارغ. عدتَ لا تعرف إن كنت في الأرض أو في السماء. متى الليل ومتى النهار. الأرض والسماء تلاحمتا. الكون كلّه جُمع إلى الواحد. لم يتصالح فحسب، بل غدا ذا ذاكرةٍ جديدةٍ كلُّها "فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، وإيمان"، أي كلّها محبّة!

            هل الناس كلّهم هكذا، أو يريدنا إلهنا الحيّ أن نكون جميعنا الآن؟

            ٢٧- كيف مرّ العيد على الحزانى والمرضى؟

            أعرف خادمًا، يبيت في ديار الحقّ، كان يخصّص الحزانى والمرضى بزياراته، لا سيّما في العيدين الكبير والصغير. لم يكن مبرّزًا في علوم كنيستنا، بل في إظهارها أعمالاً صالحة.

            كان، في أعماله، يدلّ كلّ مَنْ يعرفه، أو يتساقط عليه فرح أعماله، على أنّه لا ينقصه شيء من العلم. وإن عدتُ إلى الوراء، لا أرى أنّ ثمّة مَنْ حصد منه أنّه بيّن، مرّةً، معنى ما يعمله بكلمات فصيحة. لا أعتقد أنّ أحدًا سأله. ولا أعتقد، أيضًا، أنّه كان قادرًا على أن يفصح. فصاحته كانت أخرى!

            اليوم، التقيت بأخ، فذّ في التزامه، أتانا من رعيّة أخرى. قال لي: "أفضل ما خبرته، في حياتي، أنّ كاهن رعيّتي كان يصطحبني معه، في الأعياد الكبرى، إلى بيوت لفّها الحزن والوجع".

            هذا ختمه بأنّ مَنْ ذكره، أيضًا، كان علمه سلوكه.

            فرح على فرح أن يترك لنا "معلِّمون" إرثًا لا بدّ من أنّهم اجتنوه من صحبة المسيح الحيّ!

            ٢٨- قال لي: "التنازل عن بعض المواقف الصلبة، هو سبيل من سبل استمرار الحياة".

            أمّا مناسبة هذا القول، فكانت شكوى لم أطلب رأيًا فيها.

            الإخوة دائمًا يصرّون على أن أكون أفضل.

            ٢٩- سحرتني هذه المرأة التي فاجأها المرض من دون استئذان.

            أتيت إلى منزلها زائرًا مطمئنًّا. ودخلت الغرفة التي كانت تستلقي فيها. صلّينا. ثمّ قعدت قريبًا من سريرها. فتحت فاها، وأخذت تخبرني عن حالها بتؤدة فرضها وضعها الجديد. بدت حائرة. وعلى حيرتها، كانت تروي عن مرضها كما لو أنّها تنشد نشيدًا لازِمَتُهُ: "الحمد لله". وَقَبْلَ أن أنهي زيارتي، حمّلتني رسالة. قالت: "لا أعرف لِمَ أصابني ما أصابني. لكنّني أريد منك أن تخبر الربّ أنّ محبّتي له زادت في قلبي"!

            ٣٠- قالت إنّها مأخوذة بما جرى في "بلّوط ممرا"، يوم استضاف إبراهيم ثلاثة رجال، ولا سيّما عرضه كسرة خبز "يسندون بها قلوبهم". العهد الجديد يوحي أنّ إبراهيم "لم يدرِ أنّه أضاف الملائكة".

            ثمّ ذكرتْ أنّها قرأت مقالاً لي عن هذه الزيارة قلت فيه إنّ إبراهيم قد استضاف الله. وسألتني (والأفضل أن أقول: علّمتني): "ألا تعتقد أنّ إبراهيم، بما فعله، قدّم الله إلى ضيوفه أيضًا؟".

            خضّني هذا السؤال، ونفعني. لفتني إلى أنّني قدّمتُ بما كتبته أقلّ ما يكفي. فليس بعيدًا من النصّ عينه، ألا يمكن أن تكون "كسرة الخبز التي تسند القلب" صورةً موافقةً تؤكّد سؤالها إيجابًا؟

            في كلّ حال، لا أعتقد أنّ ثمّة أحلى من أن يلتقي الله بنفسه في بيوتنا!

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content