أعلمني صديقي عن بدء عهد جديد! سألته: "مَنْ أخبرك؟". أجاب: "قريبُ رجلٍ اسمه ثاوفيلس". وأردف: "قال لي: بدأ الأمر في الهيكل". قلت: "كيف؟". "قال: أرسل الله ملاكه جبرائيل إلى زكريّا الكاهن في الهيكل، وأنبأه بأنّ زوجته أليصابات العاقر ستلد الصوت. ثمّ زار فتاةً عذراء في الناصرة، وبشّرها بولادة الكلمة. وولد الصوت، وسمّي يوحنّا. وولد الكلمة، وسمّي يسوع". "متى جرى هذا؟". قال: "منذ ثلاثين سنة". "إذًا، كبر الولدان؟". "كبرا، والتقيا في الأردنّ. كان يوحنّا يكرز بمعموديّة التوبة. أتى كثيرون إليه. وأتى يسوع". "هل أخبرك أين هو الآن؟". "قال: دخل برّيّة، وخرج. وهو، الآن، في مجمعنا في الجليل". تركت صديقي، وقصدت المجمع. رأيته. دلّ على نفسه. كان يقرأ في سِفر أشعيا. ولمّا انتهى، قال: تمّت الكتب. توًّا، حقد الحاضرون عليه، وقرّروا إهلاكه! لم يتمكّنوا. وجدت نفسي أتبعه. قصد كفرناحوم. حرّر رجلاً من أسر الشيطان. وشفى حماة سمعان، ثمّ مرضى كثيرين، وأخذ يبشّر في اليهوديّة.
أينما حلّ، كان الناس يزحمونه. ضاقت المساحات. خرج إلى بحيرة جنّاسرت. ركب سفينة. علّم الجموع. ثمّ سأل صاحبها، سمعان نفسه، أن يدخل العمق. وما إن مرّت دقائق، حتّى تركت الشاطئَ سفينةٌ أخرى. وعادت السفينتان محمّلتين بسمك كثير. قالوا إنّه وراء نجاح الصيد. وغلب نجاحه سمعان ورفاقه. فتركوا كلّ شيء، وتبعوه! صاروا معًا. أخذ هو يعلّم، ويشفي. لم يعبأ بالسبت. ثمّ أشار إلى لاويّ. تبعه! وهذا أَوْلَمَ له في بيته، ودعا أصدقاءه. زاد حقد الحاقدين. وليمسكوه، جادلوه في الصوم والعمل في السبت. أفحمهم. شدّدوا عليه المراقبة. فشفى، في سبت آخر، رجلاً يده شلاّء. جنّ الحاقدون. انفرد يصلّي. وقادته صلاته إلى أن يكمل عدد تلاميذه، اثني عشر. وبعدها، أطلق، في مكان سهل، عظةً بدأها بتطويبات وويلات، وضمّنها أن يُحَبّ حتّى الأعداء، ويُرحم الجميع! والتزم ما قاله بشفائه عبد قائد مئة وإحيائه ابن أرملة نايين. ثمّ فاجأني اثنان من تلاميذ يوحنّا المعمدان أتيا يسألانه: "أأنت الآتي أم آخر ننتظر؟". ردّهما إلى الأنبياء الذين تمّت أقوالهم فيه. ورفّع يوحنّا عاليًا، لئلاّ يُحسب أنّه شكّ فيه.
ثمّ لفتني أنّه قَبِلَ دعوةً من سمعان الفرّيسيّ. لم أكن مدعوًّا. انتظرت في الخارج. اقتحمته امرأة خاطئة في يدها قاروة طيب. كانت أشجع منّي. حاولت أن أتسرّق النظر. رأيتها تنحني على قدميه بطيبها وماء عينيها، وتمسحهما بشعر رأسها. لم يكلّمها أوّلاً، بل خاطب مضيفه كما لو أنّه يجيب عن سؤال خفيّ. وعاد إلى المرأة. غبّط عملها وحبّها علنًا، وغفر لها. ضجّ المنزل على إيقاع كلماته الغافرة. فخرج، ومعه تلاميذه وبعض نسوة عُرفن بمساعدته بأموالهنّ. وأخذ يروي قصصًا عن الزارع والسراج.
بعد هذا، جاءت أمّه وبعض أقاربه. لم يتمكّنوا من أن يروه. أُخبر بوجودهم. قال إنّ أهله مَنْ يقبلون كلمته. فاجأني القول. وبقيت فيه! أمّا هو، فانتقل وتلاميذه إلى البحر. عرفت أنّه سكّن عاصفةً هدّدتهم. ثمّ خرج إلى كورة الجرجسيّين. حرّر رجلاً من أسر الشياطين. وأحيا ابنة رئيس مجمع وامرأةً منزوفة. ثمّ انزوى بتلاميذه. رأيتهم يخرجون، يعلّمون، ويشفون. وصلت أخباره إلى هيرودس. حار في أمره. وظنّ أنّ يوحنّا، الذي قطع رأسه، عاد حيًّا. وبعد أن رجع تلاميذه إليه، اعتزل بهم. تبعته الجموع. حنّ عليهم، وأطعمهم خبزًا وسمكًا. وعاد إلى صلاته. سُمع أنّ بطرس شهد بأنّه المسيح، وأنّ يسوع ذكر لتلاميذه أمر موته وقيامته. وليؤكّد قهرَهُ الموتَ، كشف نوره. وما إن ظهر من جديد، حتّى تلقّاه جمع كثير. كنت هناك. ورأيته ينقذ صبيًّا من داء الصرع. وعاد كلّ مَنْ ذكر أحد اسمه على شيطان يخرجه!
ثمّ توّجه نحو أورشليم. رفضه السامريّون. تركهم. وكلّم ثلاثة رجال على التفرّغ لخدمة رسالته. لم أرهم يتبعونه. لكنّي رأيته يقيم سبعين تلميذًا آخرين. وأخذ يروي مثلاً عن سامريّ بدا أنّه يشبهه! وبعد زيارته مرتا ومريم، علّم تلاميذه أن ينادوا الله أبًا، ويلحّوا في صلاتهم! ثمّ طرد شيطانًا أخرس. اتّهمه بعضٌ بأنّه يطرد الشياطين بسيّد الشياطين! أخرسهم. وقصّ مثل السراج. وأمام ألوف، وبّخ المرائين لا سيّما بمثل الغنيّ الجاهل. وليشدّد تلاميذه، أوصاهم بأن يسهروا، ويثمروا. وبعد أن شفى امرأةً منحنيةً، روى مثلَيْ حبّة الخردل والخميرة. سمعت بعضًا يحذّرونه من هيرودس. لم يخف. ووصفه بالثعلب. وعلى توبيخه أورشليم، بقي حنانه تامًّا. شفى رجلاً في السبت. ثم ضرب مثلاً ندّد فيه بالمكرّمين أنفسَهم، وآخر أراد فيه أن يفضّله أحبّاؤه على كلّ مَنْ لهم، ليكونوا ملح الأرض، وأخرى تكشف رحمته للخطأة. ونادى تلاميذه إلى أن يلتزموا أمثاله، فيحبّوا، ويغفروا، ويخدموا بتواضع. وَقَبْلَ أن يكمل رواياته، أبرأ عشرة برص. وردّ على مَنْ سألوه عن مجيئه القريب. وبارك الأطفال. وندّد بالغنى الزائل. وبعد أن أنبأ بموته من جديد، شفى أعمى في أريحا. وزار زكّا العشّار في بيته. وروى مثل الأمْناء.
قربت النهاية! دخل أورشليم. بكى عليها. وطرد الباعة من هيكلها. ووبّخ الكهنة والكتبة والشيوخ. وعنهم روى مثل الكرّامين القتلة. وأعاد توبيخهم وسواهم بكلامه على أداء الجزية لقيصر وقيامة الموتى. وأفحمهم بأنّه ربّ داود. وفضح رياءهم بتفضيله فلس أرملة على تقدماتهم كلّها. وتكلّم على خراب مدينتهم ومجيئه الثاني. عاد من غير المسموح أن يبقى حيًّا! أقنعوا أحد تلاميذه، يهوذا، بأن يبيعه ببعض فضّة. عرف. جمع تلاميذه على مائدة أخيرة. وحدّثهم عن سلطان الخدمة. ثمّ خرج إلى بستان الزيتون. اعتقل. أنكره بطرس. ثمّ حُكم عليه بالصلب. مات، ودفن، وقام كما وعد. التقى باثنين من تلاميذه على طريق عمّاوس. عرفّهما بنفسه. ثمّ تراءى لتلاميذه جميعًا. أكل معهم. وأمرهم بأن ينتظروا حلول الروح القدس، فيشهدوا له. ثمّ خرج إلى بيت عنيا. وصعد، أمامهم، إلى السماء.
اكتمل الخبر! هل أكمله قريب ثاوفيلس لصديقي، أو ينتظرني، لأفعل؟!