22مايو

برنامجنا

عندما قال المطران جورج (خضر) إنّ "برنامجنا الوحيد هو يسوع المسيح" (أنطاكية تتجدّد، صفحة 128)، أراد، كما يجب فهمه، أن يشير إلى كلّ ما يعني جماعة "النهضة" في الكون، وتاليًا (والأفضل: ومنه) إلى غنى مضمون ما تقيمه، إن في اجتماعات فرقها، أو في لقاءاتها وأعمالها كافّة.

مَنِ اضطلع لا سيّما بدور إرشاديّ في الحركة، لا بدّ من أنّه خبر أنّ ثمّة برامجَ عدّةً وُضعت، في غير جيل، سندًا لتربية كنسيّة سليمة. وإن قلنا عدّةً، لا نقصد واحدًا أو اثنين. وإن قلنا عدّةً، لا نقصد عمرًا من دون آخر. فما وُضِعَ، عديدًا، يطال وجوه عملنا كلّه. وعلى ذلك، لم يفت الإخوة الحركيّين، يومًا، أنّ أيّ برنامج موضوع لا يمكن أن يحلّ محلّ أنّ "برنامجنا الوحيد هو يسوع المسيح"، ولا يمكن، تاليًا، أن يحكم لغتهم الإرشاديّة حكمًا كلّيًّا. هذا، إن حدث، فقد يخفي، ضمنًا، أنّنا لا نعير خصوصيّة المناطق، التي نخدم فيها، أيّ أهمّيّة. وهذا، أيضًا، قد يتضمّن أنّ مرشدي الفِرق يُزرعون جميعهم في غير أمكنتهم، كما لو أنّهم يسدّون عجزًا، أو يُكلَّفون ارتجالاً!

بلى، تضطرّنا الموضوعيّة إلى أن نقرّ بأنّ ثمّة أوضاعًا عرجاء، تحكمنا هنا وهناك، تدفعنا، أحيانًا، إلى أن نتجاوز أنّ شرط تكليف المربِّين أن يكونوا مختبرِين ومختبرَين. ومن دون أن نصمّ آذاننا عن بعض التبريرات (التي لا تُبَرَّر!)، هذا يلزمنا أن نفحص كلّ صوت ينادي بحاجته إلى برامج جديدة. فليس كلّ مَنْ يطالب ببرامج جديدة يعي أنّ هذه ربّما لن تصنع المعجزات. وليس كلّ مَنْ يدفعنا إلى العمل على وضع برامج جديدة يضع يده على كلّ ما يجرحنا. وفيما نعرف أنّ ثمّة مَنْ يعتقد بهذا الأمر وذاك، وفيما لا يحقّ لنا أن نكمّ فمَّ غيورٍ، أو نتعالى على ما يعيننا على أن ننتظم في تخطيط واضح، يبقى أنّنا مسؤولون عن أن نوضح لأنفسنا ولسوانا أنّ البرامج الموضوعة، أو التي يمكن أن توضع، لا تختزل قواعد التربية التي يجب أن تراعي، إلى البرامج، أمرين آخرين: المربّي نفسه والإخوة الذين يُسهم المربّي في تربيتهم.

قَبْلَ أن أطوف، ولو بسرعة، بتوضيح هذين الأمرين، يعنيني أن أؤكّد أن ليس من فرقة حركيّة (اللّهمَّ وفق علمي) لا تضع برنامجًا تنفّذه. وإن أقنعنا هذا البرنامج أو ذاك، أو لم يقنعنا، فلا شيء يسمح لنا بأن نغضّ الطرف عن أنّ التربية جوّ. وهذا سنفسّره في كلامنا على الأمرين المذكورين.

لقد قلنا إنّ المربّي شخص مختبِر. وهذا يعني، ممّا يعني، أنّ الله قد اختبره. ثمّة مئات الصفحات النهضويّة التي تكلّم منشئوها على أنّ المربّي قدوة. وحسبي أنّ هذا خير ما ينفع التذكير به دائمًا. إنّه مختِبر، أي إنّه مختبَر، أي إنّه يعرف إيمان كنيسته، أي يرى نفسه تحت ما يبلّغه. ففي تراثنا، ليس من أيّ فاصل ما بين القول الحقّ والحياة الحقّ. أن تقول شيئًا راضيًا، فهذا يوجب أن تغدوه. وفيما تغدوه، أن تسعى، بما أوتيت من نعمة، إلى أن يغدوه مَنْ كُلِّفت أن تقودهم إلى "طاعة الإيمان". وهذا يفترض أن تتبع الكلمة، التي تعلِّمُها، إلى حيث يحملها مَنْ يجب أن يشاركك في الإصغاء إليها. فأنت لا يمكنك أن تربّي أحدًا إن لم تعتقد أنّ مصيرًا واحدًا يجمعك به، أي أنّ تبليغ الكلمة شأنه أن يُلاحق. ولذلك كانت شركة الحياة خير إطار يؤكّد أنّ الحياة الحركيّة لا تنتهي في قاعات فروعنا. وهذا معنى ما قلناه عن الجوّ. وعندي، إن استطعنا أن نضع أنقى برامج في الكون، فلن يكون لما وضعناه نفعٌ إن لم نأخذ في الاعتبار ما قلناه عن شركة المصير. ولا أقصد التشويه (حاشا!) إن قلتُ إنّه قد وصل إلى مسمعي، في مطلع التزامي، بعضُ أمور، قيلت في معرض كشف الحقّ، عُلّمتُ، في ما بعد، أنّها تفتقر إلى الدقّة. وفيما أعترف لكلّ مَنْ علّمني حرفًا بالمنّة، أقول الصدق إن ذكرتُ أنّ ما تعلّمتُهُ لم يغيّر، عندي، ثقتي بإخلاص مَنْ قلّت دقّته حينئذٍ. ويمكنني، اليوم، أن أؤكّد، لا سيّما لنفسي، أنّ نقاء الإنسان، في غير أمر، رهن بالتزامه جوّ كنيسته. وإن رُمي على هذا وذاك بعضُ ما لا نقوله رسميًّا، فالجوّ، طاهرًا، كفيل بتنقيته. المهمّ أن نخلص للحقّ الذي يريدنا أن نبقى معًا، ليعلّمنا كلّ شيء. والمهمّ، تاليًا، أن نبقى نستدرّ أن ينعم الله علينا بِمَنْ اختبرهم، ليردّوا عنّا كلّ غربة، ويرفعونا إلى دقّة الالتزام وعمقه الموروث.

أمّا الأمر الثاني، أي الإخوة الذين يُسهم المربّي في تربيتهم، فأقول كلّ شيء إن ذكرتُ أن ليس من تربية كنسيّة ممكنة لا تقوم على معرفة الناس عن قرب. هذا، طبعًا، يؤكّد أهمّيّة الجوّ الذي ذكرتُهُ، إنّما هنا خدمةً لوضوح الكلمة. فإن كان ثبات الكلمة في الإخوة يطلب أن نتبعها إليهم، بوحُها يطلب أن نعرفهم حقًّا. وهذا، عودًا على بدء، يعني أنّنا، فيما لا نأنف من استعمال البرامج النافعة، لا نرى أنفسنا ملزمين أن نعتقد بأنّ أيّ برنامج، حتّى التي تجتمع الدنيا على نفعه، قادر على أن يغيّر الناس هكذا بسحر ساحر (أو من دون إرادتهم)! فأنت، إن قصدت تبليغ الحقّ إلى أناس محدَّدين، يجب أن تسعى إلى أن تقرّ في القربى، أي في التكاشف. فالكلمة هي كلمة الله إليهم. وأنّى لهم أن يدركوها إن لم يُقارَبوا، وتاليًا أن يروا هم فيها خلاصهم؟ ولا يخفى عن عارف أنّ القربى المقصودة تتعلّق بأفكار الناس وعاداتهم وهواجسهم وأحلامهم وفضائلهم وخطاياهم القاتلة، أي قربى كلّيّة تخصّ كلّ الإنسان، قربى تهدم كلّ حاجز عمّرته أفكار غريبة ما زالت تلحّ علينا بأن ننسى أنّنا جميعًا "من أهل بيت الله".

سنبقى ننحني إجلالاً أمام كلّ جهد يبذله الإخوة من أجل هدينا ومنفعتنا. ولكنّنا نحبّ أن نلتزم السجود، أبدًا، لوجوه المسيح الغنيّة التي أريد لنا أن نلتزمها برنامجًا تغنينا طاعته، وتنهضنا أبدًا.

- مجلّة النّور، العدد الثالث، ٢٠١٣
شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content