هي رحلة سريعة سآخذكم معي فيها إلى استكشاف بعض من التأدّب الذي تنتظره معرفةُ اللغة العربيّة. أمس، حاولتُ أن أدقّق في معنى كلمة "تعصُّب". وجدتُ أوّلاً: "تعصَّبَ الشيخُ: وضعَ عِصابةً على رأسه". ثمّ توالت أمامي المعاني. "تعصّب لزميله: ناصره بشدّة". "تعصّب لأفكاره (أو لدينه…): كان شديد الغيرة عليها"… لا تقول اللغة إنّ العِصابة تستعمل لشدّ الرأس حصرًا، بل إنّها أيضًا لشدّ أعضاء الجسم الأخرى، المفاصل والعينَين. هذا يساعدنا على أن نفهم أنّ هناك وحدة، في علم اللغويّين، بين أن يضع الإنسانُ العِصابةَ على عينَيه أو يتعصّب لرأيه، أي أن يعتبر حقًّا ما يقوله هو وحده. لم يرتجل إذًا الذين اعتبروا أنّ التعصّب، الذي ينكر حقّ الآخرين في الاختلاف، هو عمًى. لم تذكر كتب اللغة أنّ المتعصّب يمكنه أن يغطّي عينَي الله، أي أن يجعل الله يتبعه في آرائه أيضًا! لكن، أليست هذه نتيجةً طبيعيّةً للتعصّب؟ لا خطيئة أعظم!
جميع الحقوق محفوظة، 2023