3يونيو

يقظة إنسان

في منزلِ رجلٍ وجيهٍ خادمةٌ مسيحيّة يشهد على تقواها كلّ من عرفها. فلقد قالت فيها، مرّةً، أخت سيّدها، وهي سيّدة وقورة طاعنة في السنّ: لقد علّمتني هذه الخادمة أن أقرأ إنجيل الربّ، وهذا أفضل ما تعلّمته في حياتي.

       أخبر سيّدها أنّه: في إحدى الليالي الماطرة، قُرع باب منزلي في منتصف الليل. هرعت خادمتي لتفتح. فوجدت خادمة من بلادها تبكي، وهي مخضّبة بدمها. وتوسّلت إليها أن تحميها الليلة، على أن تهتمّ بنفسها في الصباح. فأتت، ونقلت إليّ الخبر. قصدتُ الباب منزعجًا، وطلبتُ من الخادمة الغريبة الخروج من منزلي والعودة إلى منزل أسيادها. فقالت لي: لا أستطيع، سيعاودون ضربي. ومن دون أن يعني لي ما قالته شيئًا، حملتُها على الخروج، وأَصَّدتُ الباب وراءها بعنف. حزنت خادمتي لما فعلت. وقالت لي بجرأة الشهود: أنت لست مسيحيًّا، ألا تعرف أنّ الربّ أمرنا بإعانة المضروبين والمرميّين في الطرقات، وأنّه شبّه نفسه بهم؟ أجبتها: استقبالها مخالفة للقانون. قالت لي: أيّ قانون يسمح بضرب امرأة، ولو خادمة؟ وأردفت: ما لنا وللقانون، ما يريده ربّنا أهمّ من كلّ قوانين العالم وأنظمته. ولأنّها تعرف مكانتها عندي، تابعت: إن لم تكن عندك الجرأة لتستضيفها إلى الغد، وتساعدها، فأنا لن أجدّد خدمتي في هذا المنزل، لأنّني لا أقبل أن أخدم الظالمين! فقلت لها: أين ظلمي، ألعلّي أنا من ضربها؟ قالت لي: ما الفارق بينك وبين من فعل. أنتما متساويان في الظلم: واحد ضرب وآخر رمى. ثمّ قالت، بعد أن شَعَرَتْ بأنّ كلامها أثّر فيّ: أستحلفك بابن الله المضروب أن تستقبل هذه الفتاة، وتساعدها. قلت لها: انتهى الموضوع، لقد رحلت. قالت: ائذن لي في الخروج لأفتّش عنها. قلت: لن تجديها. قالت: أحاول. قلت: حاولي. ما إن سمعت منّي هذه الكلمة الأخيرة، حتّى ذهبت مسرعة. وما إن فتحت الباب، وجدتْها خارجًا، وأدخلتها، واهتمّت بأمرها.

       قال السيّد هذا، ثمّ تابع: لقد أيقظت خادمتي، في قلبي، فضائل كنت قد أهملتها، وذكّرتني بأنّني إنسان!

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content