الأب إيليّا متري | Father Elia Mitri

١٥ نيسان - ٢١ نيسان

            ١٥- دعاني إلى أن أكلّم رعيّته على المحبّة. اتّفقنا على أن تكون مادّتي رسالةَ يوحنّا الثانية.

            كان موعدنا بعد صلاة الغروب. صلّينا في ذلك البيت الذي، كلّما زرته، يذكّرني بالمسيحيّين الأوائل الذين كانت كنائسهم بيوتًا. ليس أغلى من أن يكون بِرُّ مسيحيّي القرون الأولى إيقونة حياتنا.

            أعرف أنّ المؤمنين، في هذه الرعيّة المستحدثة، بدأوا بتشييد كنيسة جديدة لهم. وضعهم الحاليّ يجعلهم، وإن في الظاهر، قادرين على أن يفطنوا إلى أنّ الكنيسة هي بيت، بيت الله وشعبه.

            كلّ ما أرجوه، متى أنهوا بناء كنيستهم، أن تبقى ذاكرتهم حيّة. أثق بأنّ كاهنهم سيعين ذاكرتهم. ثمّة أمور، أحبّها فيه، تجعلني على هذه الثقة. فيه وفي إخوة باتوا معًا في هذا البيت المدهش.

            ١٦- "وكان يسوع يحبّ لعازر".

            ردّ عنّي، يا ربّ، كلّ فكرة، تراودني، تريد أن تقنعني بأنّني أستحقّ محبّتك.

            قبري هو أفكاري التي لا تحاكي مجّانيّتك.

            أحبّك، كلّ مرّة يأتيك فيها خبر عن مرضي، أن تقول: "هذا المرض لا يؤول إلى الموت".

            أنا بانتظارك.

            كلّ شأني، في حضورك، أن أتفرّغ لك. هذا ما فعله لعازر. الحيّ يتفرّغ.

            أمّا ناري، فتحضّني على أن ألهو عنك. أنا واثق بأنّك ستساعدني. فقط، لا تتأخّر.

            تعال إليَّ الآن، وأقمني من قبر ناري.

            كلّ شيء مهيّأ. كلّ شيء يشبه ما جرى يوم أتيتَ إلى بيت عنيا!

            ليس من اختلاف سوى أنّك أنت، في هذه الخدمة، تعدّ المائدة.

            هذه المائدة نداي وحياتي ودفعي إلى تفرّغي.

            هيّا، لا تتأخّر.

            لا تعدّ الأيّام. لا تنتظر أن أكمل الأربعة. "هوذا الآن وقت مقبول"، لتندّيني محبّتك، وتقيمني.

            ١٧- يأتي مَنْ له الملك والقوّة والمجد إلينا، لنمشي معه إلى أورشليمه السماويّة.

            هذا تنازل الآتي، ليردّ إلينا براءة الطفولة.

            كلّنا، مَنْ بقيت شفتاه نضرتين وَمَنْ شاخت، تلقّينا دعوته.

            رافقناه. بعضنا كان يحمل، على كتفيه، ابنه أو ابنته. مشهدنا كان كلّه قوّة، ثقة. ومسكنا بأيدينا سعف نخل، وشمعةً مضاءة. فالنور يُلاقى بالنور. لم يزعجنا أنّ الهواء أطفأ نور أيدينا. بدونا نعرف أنّ الباقي لنا نور وحيد، نور إنجيل لا يعروه مساء، وإيقونة تصوّر مسيرة جدّتنا.

            يبقى علينا أن نلتحق بالنور أبدًا. يبقى أن نتعلّم أن نكون ثابتين في الودّ، لا نقول شيئًا اليوم، وغدًا نقيضَهُ. أي يبقى أن نبتعد، اليوم وغدًا، عن أن نكون سببًا لصلب النور، لنرجو أن نسمعه كلّنا، يوم صلبه، يقول لنا: "تعالوا، يا مَنْ باركهم أبي، فرثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم".

            ١٨- كيف يُعبد الله في أرض غربة؟

            تعرف الكنيسة أنّ الحقّ تأتي به كلمة الله ووجوه باتت كلمةً منه.

            سرّ الوجوه، التي تغدو كلمة، إيمانها بأنّ الله "ينظر قلوب الناس". هذا يجعلها قوّةً منيعةً في وجه كلّ عرقلة وتملّق. هاجس الخطايا عرقلة وتملّق، أي حيّات وتنانين تبحث عَمَّنْ تغويه، ليعمى.

            في أرض غربة، أمام الناظر قلوب الناس جميعًا، تمثّل يوسف الكلّيّ الحُسن بكلمة تنتظر أن تُعلن، أي: "اهربوا من الزنى". فأبى أن "يتعبّد للذّات المصريّة حوّاء التي وجدها التنين ثانيةً، لتعرقله". و"غادر الثوب، وفرّ من الخطيئة، ولم يخجل من العُري كأوّل الجبلة قَبْلَ المعصية".

            أسقط حُسنًا من دنياه، وعلّى حُسنًا آخر لا يمكن أن تذهب نضارته.

            كتب على صفحات التاريخ أنّ طاعة الله هي، وحدها، الحُسن الكلّيّ.

            هذا باب أسبوع عظيم لا يبلغ نهايتَهُ سوى الذين يستوطنون الفصحَ أرضَ فضيلة!

            ١٩- "يأتي يوم الثلاثاء العظيم بوجوه العذارى العشر" اللواتي روى الربّ عنهنّ في أمثاله.

            هذا انتقاء كنسيّ، يخدم مسيرةً عظيمةً في تاريخ الناس، وُضع، لنتعلّم أنّ الربّ، "الذي لا يُحابي"، لا بدّ من أن ينتصر، ينتصر في المطيعين والمطيعات، وينتصر على المتخاذلين والمتخاذلات.

            يا لَرحمة الكنيسة التي تريدنا أن ندخل جميعُنا عرس الربّ أبدًا!

            بِمَثَلٍ، كشفَ الربُّ سرَّهُ. بدا فيه يستقبح نوم الغفلة. يريدنا، يقظين، أن ننتظره. متى سيأتي؟ لم يقل لنا. قال كيف ينبغي لنا أن نستعدّ لمجيئه. أراد حياتنا كلّها استعدادًا. عندما أتى، سلّم كلاًّ منّا مصباحه وزيته. وقال: أضيئوا مصابيحكم بحبّكم وعطفكم على الناس. ووعدنا بأن يأتي.

            قويّ يسوع في كشفه! كلّه قويّ! وأعلى قوّة فيه أنّه ما زال فقيرًا إلى أن يفرحنا!

            ٢٠- ماذا تفعلين، أيّتها المرأة، هنا، في هذا اليوم؟ مَنِ استضافك، لتتربّعي في أسبوعنا العظيم؟ لِمَ أنت الأعلى من غير وجه طاهر مرّ علينا إلى اليوم؟ لا أحد يعرفك. الكلّ يعلم أنّك المرأة التي دخلت على يسوع، وأفاضت على رأسه قارورة طيب كثير الثمن. هذا كلّ ما يُعرف عنك. هذا فقط!

            أمّا ما يجعلني أحار فيك، فهو أنّ الكنيسة جعلتك، في الخدمة، أداة مقابلة (أنتِ مقابل يهوذا)! وما يزيد من حيرتي أنّك دفعت الربّ إلى أن يقف في صفّ ما قمتِ به. وفي وجه مَنْ؟ في وجه تلاميذه جميعًا! هؤلاء كلّهم أغضبهم ما قمتِ به. وقالوا إنّك قد أتلفتِ ما "يمكن أن يباع بكثير، ويعطى للمساكين". حاولوا أن يركنوا إلى فكر معلّمهم. كانوا يعلمون أنّه تحيّز للفقراء، حتّى النهاية، تحيّزًا كلّيًّا.

            كيف استطعت أن تبلغي هذه المكانة، وأن تشدّي إليك ربّنا الفادي؟ ماذا رأى فيك؟ قال عنك، علنًا، إنّك عملت له عملاً صالحًا، وكلّفك أن تأتي إليه يوم دفنه، لتبقي حيّةً في إعلان البشارة إلى الأبد. هل لأنّك تكرّمت عليه، أنت هنا اليوم؟ هل لأنّك أحببته أكثر من نفسك، أنت هنا؟ وهل أنت هنا، لنكون، نحن جميعًا، في صفّك، ونتعلّم عليك أن نفضّل الربّ على وجودنا دائمًا؟

            يا لَبلاغة اختيارك!

            ٢١- في هذا اليوم، يأتيني بعض إخوة أحبّهم. معهم كلمة. يقولونها لي، ويمضون.

            هذه الكلمة، التي بتّ أنتظرها، تجمع لي سنواتٍ عبرت. وتذكّرني بأنّني موجود في غير مكاني، وتشجّعني على أن أسعى إلى أن أصالح مكاني. الأخوّة تشجيع. ولكنّ الذين يحملون هذه الكلمة إليَّ يعلمون أنّ التشجيع احتضان دائم، في الليل والنهار. ليس من احتضان، في الحياة الكنسيّة، ينحصر بيوم، بساعة، بلحظة. هذا، الذي يندر في الأرض، يزيّن أصحاب الكلمة التي يقولونها، ويمضون. ولذلك أراهم يمضون، ولا يمضون. يدلّون على بقائهم الدائم بوجوه عدّة. بصلواتهم مثلاً. بكلمات أخرى مثلاً، كلمات تردّني إلى الوراء، إلى ذلك اليوم الذي انهمرت عليَّ فيه كلمات ليست مثلها كلمات. كلمات تبحث عَمَّنْ يتمثّلها. كلمات لا يوافق التمثّل بها حماسة الانطلاق، بل الانطلاق الذي لا تهدأ حماسته.

بعضُ كلماتٍ هي. إنّما بعضٌ تجمعُ البداءة والنهاية، الماضي والحاضر والآتي، وتقيمني صاغرًا بانتظار سؤال واحد أعرف أنّه باقٍ في ذاكرة المسيح الحيّ، و"سوف يسألني عنه".

شارك!
Exit mobile version