يريد بعض الناس، في الدنيا، أن يزوّجوا يسوع عمدًا من امرأة محدّدة! اعتمادهم أفكار موبوءة، وتاليًا وداعة المسيحيّة التي تؤمن بحرّيّة الإنسان، ولا تضرب بالسيف مَن يشوّه حقّها. وهكذا زوّجه، منذ مدّة، الروائيّ "دان براون"، في كتابه "شيفرة دافنشي" من مريم المجدليّة "الرحم التي حملت سلالة المسيح الملكيّة" (صفحة 279)!
لا نريد، في هذه السطور، انتقاد الزواج. حاشا. فالكلّ يعلم أنّ المجتمع، الذي نشأ فيه يسوع، يأبى العزوبيّة، ويولي الزواج، ولا سيّما المبكر، أهمّيّةً عظمى. وربّما هذا أعطى بعضًا "حجّةً"، ليمعن في ضرب الحقيقة، ويخلّف فكره المنحرف أو المدسوس، أو ليخضع حياة السيّد المخلّصة إلى "ألاعيب الأدب"! إذًا، همّنا الحقيقة. وهذه تكشفها كلمة الله التي لا يشكّ عاقل في حقيقتها. وانطلاقًا منها، ثمّة سؤال يتبادر إلى ذهن أيّ إنسان منطقيّ، هو: إن كان السيّد قد تزوّج فعلاً، فَلِمَ يخفي كتّاب العهد الجديد هذا الأمر الطبيعيّ في زمانهم؟ فالزواج ليس عيبًا، أو حرامًا، أو ينقص من بشريّة يسوع. لقد اعتنى الإنجيليّون بأن يكتبوا أشياء خاصّةً عديدةً عن حياة السيّد (ولادته، ختانه، معموديّته، وغيرها)، فَلِمَ لم يتطرّقوا إلى زواجه؟ والجواب البديهيّ أنّه لو فعل، لكان كتّاب العهد قد ذكروا الأمر. لا أقول هذا ردًّا على "براون" الذي تحوّلت روايته إلى فيلم سينمائيّ. فأنا، من أدون أن أسلخ عنه براعته في كتابة الرواية، أعترف، بصدق، بأنّني قد أضعت وقتي في قراءته. أقول هذا، وَمَنْ قرأ روايتَهُ، يعرف أنّه لم ينجح في إثبات زعمه! فروايته تنتهي بغموض يجعل القارئ، الذي استلم الكتاب بتأكيد واضعه أنّ ما يقوله "حقائق"، يتيقّن أنّه أمام مؤلّف خياليّ لا أكثر ولا أقلّ. طبعًا، كلّنا على علم أنّ ثمّة مَنْ يعتقد أنّ الكتب المقدّسة، التي بين أيدينا، كتب مزوّرة! فبراون، في روايته مثلاً، يدّعي أنّ الإمبراطور قسطنطين "أمر بـ(وضع) إنجيل جديد، وقام بتمويله، أبطل فيه الأناجيل الأخرى التي تحدّثت عن سمات المسيح الإنسانيّة" (صفحة 262)! وهذا لا يقوله عاقل يعرف أنّ ثمّة مخطوطاتٍ للعهد الجديد مكتشفَةً، يعود بعضها إلى القرون الأولى للمسيحيّة، تتطابق مع النصوص التي بين أيدينا تتطابقًا كاملاً.
هذا كلّه يطرح سؤالاً واجبًا، وهو: هل وُجِدَ في زمان السيّد أشخاص عاشوا متبتّلين؟ الجواب يعرفه بعض، وهو أنّ ثمّة جماعةً معروفةً باسم الأسّانيّين، كانت تعيش قرب البحر الميّت وفي وادي قمران، امتنع أعضاؤها عن الزواج. لا يعني هذا أنّ يسوع مشى بركاب هذه الجماعة، فتبنّى امتناعها. لا، البتّةَ! فبتوليّته معناها يختلف عن سواها اختلافًا جوهريًّا. إنّها خاصّة، فريدة، ولا يشبهها شيء. بتوليّته ينبع معناها من كونه شخصًا همّه الوحيد خلاصنا. كلّ إنسان يتبتّل إنّما يفعل، ليخلص هو، إن أمكن، وبعضٌ آخرون. يسوع، وحده، اختار أن يخلّصنا جميعنا. لم يشأ أن يرتبط بامرأة، أو أن ينجب عددًا من الأولاد. فهو، بمجيئه، حقّق توق الإنسانيّة التي تنتظره. لكنّه شاء أن يرتبط بنا كلِّنا، لنولد جميعنا فيه من جديد (1كورنثوس 4: 15). بمعنى أنّنا نحن جميعنا "عائلته"، أي "أهل بيته". مَنْ همّه أن يزوّج يسوع بالمجدليّة أو بغيرها من نساء زمانه، لم يفهم أنّ العروس، التي اختارها يسوع لنفسه، هي كنيسته (2كورنثوس 11: 2، أفسس 5: 27).
هذه السطور، على سرعتها وبساطتها، تقول أمورًا لا يليق بمؤمن، يتّقي الله، أن يتجاوزها. ولربّما أعلى أمر أنّ ثمّة فرقًا كبيرًا بين شخص يتأثّر بفكر الأرض وبين آخر يأتي من "فكر المسيح" (1كورنثوس 2: 16). فإذا أردنا أن نبحث عن عروس يسوع، فعلينا أن نترك كلّ فكر غريب، وندخل قلوبنا. قلوبنا هي عروس السيّد التي اتّحد بها بدمه.