24يونيو

"يا ربّ، علّمنا أن نصلّي"

            "كان يسوع يصلّي في بعض الأماكن. فلمّا فرغ قال له أحد تلاميذه: يا ربّ، علّمنا أن نصلّي كما علّم يوحنّا تلاميذه، فقال لهم: إذا صلّيتم، فقولوا: "أيّها الآب ليتقدّس اسمك..."" (لوقا 11: 1، أنظر أيضًا 5: 33).

            نقرأ هذا المقطع، في إنجيل لوقا، قبل الصلاة الربّيّة مباشرة. العبارة، التي اخترنا التعليق عليها ("يا ربّ، علّمنا أن نصلّي")، والتي هي مدخل الصلاة الربّيّة، تستحقّ، بامتياز، أن تكون مدخلاً لكلّ صلاة.

            يحبّ لوقا أن يرينا يسوع يصلّي. يحبّ أن يرينا إيّاه يعلّم الصلاة لا بأقواله فحسب، لكن بأفعاله وحياته أيضًا (3: 21، 5: 16، 6: 12، 9: 18 و28 و29، 10: 21...). وصلاة يسوع هي أحد أوجه صلته بأبيه وسرّها وجوهرها. وهذا يبيّنه أنّ أوّل لفظة لفظها يسوع ردًّا على طلب تلميذه، كانت: "أيّها الآب". كان يكلّم أباه وحده، فتابع كلامه، ودلّ تلاميذه على جوهر الصلاة وهدفها. تابعه هكذا، لأنّه من أجل أن يعرف أخصّاؤه أباه، إنّما جاء يسوع إلى العالم (أنظر: يوحنّا 17: 6). فالصلاة، التي يريد الابن أن يرفعها المسيحيّون، تفترض، أوّلاً، الوعي أنّ الله هو أبوهم، أي أبو جميع البشر. هذا، بالطبع، غير ممكن إن لم نقبل يسوع إلهًا وحيدًا وسيّدًا على القلب، ونتبعه. فليس من وصول إلى الآب إلاّ به. هو، وحده، "الطريق". أن نهمل يسوع، أو أن نتبع غيره، نخسر الطريق الوحيد، ولا نصل إلى الآب.

            "يا ربّ، علّمنا أن نصلّي" لا تعني أنّ يسوع معلّم فقط، لكن، أيضًا، أنّه الربّ الذي يعرف كلّ ما يرضي الآب، ويعضد، بروحه، ضعفنا وهشاشتنا. فكلّ الكلمات البشريّة باهتة، باردة، ولا تليق بمسمع الله. وذلك إن لم تتوافق وكلمات يسوع، أو إن لم يتعهّدها الروح القدس، ويوصلها إلى الآب بلغته. هذا لا يعني، مثلاً، أن نصلّي، لفظًا، الصلاة الربّيّة فحسب، لكن أن تكون صلاتنا تعهّدًا أو تنفيذًا لمشيئته. أن تكون افتقارًا إلى حبّه وغناه. وأن تكون صورة عن حياة طاهرة يكمّلها الروح بناره ونوره. فالصلاة، إن لم تكن حياة جديدة ومتجدّدة دائمًا، هي كلمات، مهما عظمت، بلا مضمون، فارغة، جوفاء. "علّمنا أن نصلّي"، أي علّمنا أن يرضى عنّا الله الآب، أبونا، إذا ما وقفنا أمامه للصلاة. علّمنا أن تكون عندنا الجرأة الكافية، لنقدر على سلوك درب القداسة، الدرب التي نصعد بها إلى أورشليم السماويّة، التي صعودك إلى أورشليم الأرضيّة دليل إليها. أنت تعرف الدرب، أنت الدرب. خذنا بيدنا كأطفال، وقدنا إليك وإلى أبيك.

            أن تكون صلاتنا هكذا استسلامًا لله، هو ما يجعلها صلاة واقعيّة، حقيقيّة وصادقة. فدعوته إلينا أن نكون أطفالاً، أن نعود، مهما كبرنا في السنّ، أطفالاً بالروح. أي أن نثق بالله، فلا نخاف من شيء. أن نضع يدنا بيده، ونطمئنّ إلى أنّنا، معه وحده، نصل إليه، وأنّنا محفوظون بنعمته. وإذا أعطيناه يدنا، يفهم أنّنا نسلّمه حياتنا. فمهما تكن يدنا ضعيفة، واهية، تقوَ بيده، وفي راحتها تتغنّج. نعم، إنّ "علّمنا أن نصلّي" تعني، تمامًا، أرجعنا أطفالاً، أطفالك، أطفال أبيك وروحك القدّوس. فالصلاة، التي لا تردّنا إلى الله أطفالاً، ليست هي الصلاة التي يعلّمها يسوع، أو التي ترضيه. هي صلاة مفصولة عنه وغريبة عن مشيئته.

            "علّمنا أن نصلّي" تعني، أيضًا، حقّق فينا صورتك، ليسرّ الآب، ونستحقّ سروره. مَن عرف أنّ الله يحبّ ابنه الوحيد، يحاول أن يتشبّه بالابن. كان يسوع يصلّي إلى الآب دائمًا، كان كلّه صلاة. أن نحاول أن نتشبّه به، هو أن نصلّي دائمًا، وأن تكون حياتنا صرخة حبّه، ثورة في عالم الكذب والنفاق والكسل و"التفرّج" والعدو وراء الأوهام. فـ"علّمنا أن نصلّي" تعني ساعدنا على أن نكون مثلك. وأن تكون حياتنا لك، كما كانت حياتك كلّها لأبيك. تعني علّمنا أن لا نختلف عنك، أو ننفصل عنك. وهذه الرغبة في التشبّه بيسوع والاتّحاد به تساعدنا على أن نسترجع، بنعمة الله، الصورة التي خلقنا عليها. الصورة التي تشوّهت بإرادتنا وخطايانا. "علّمنا أن نصلّي" أي ردّ إلينا براءتنا الأولى، تلك التي حاول الشرّير أن يمسخها بمكره. اغلبه فينا كما غلبته أنت. جد علينا بغلبتك حتّى نطفر نحو ملكوتك، ونستحقّ أن ننادي أباك القدّوس: أبانا.

            إنّ ما طلبه أحد التلاميذ من يسوع يجب أن يكون طلبنا وشوقنا. فمَن كان يسوع معلّمه وربّه، يختاره أخًا في تنازله العجيب، ويرتفع، به، إلى مراقي الغنج الذي يسبغه الروح على الذين أدركوا سرّ الابن الوحيد الذي هو حبيب الآب وسروره، وشاءوا، أحرارًا، أن يكونوا هم أيضًا فرح الآب.

            فـ"يا ربّ، علّمنا أن نصلّي" حتّى يرضى عنّا الله أبوك، أبونا. اعضدنا بروحك. ردّنا أطفالاً. أرجع لنا صورتك. وقدّس حياتنا، لنرث ملكوت الآب وفرحه.

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content