25أبريل
الآلام

وقفة أمام أناجيل الأسبوع العظيم

ما يحرّك الأسبوع العظيم المقدّس، ولا سيّما نصوصه الإنجيليّة، أن يشدّنا إلى أن نعمّق توبتنا إلى الربّ الذي يريد أن يضمّنا إليه في الفصح.

هذا يبدأه إنجيل سحريّة يوم الإثنين بذكر التينة التي "لم يجد فيها الربّ إلاّ ورقًا". وإن كان الجوّ الذي يتبع هذا الذكر يوحي بمعناه، أي يبدي المؤتمنين على هيكل أورشليم عراةً من كلّ خير، غير أنّ عقمَ التينة تهديدٌ لنا أيضًا، لنذكر، فيما نتبع الربّ إلى آلامه، أنّ كلّ قضيّة الله معنا أن نأتي بثمر يليق بمجده. فالربّ سيأتي قريبًا، وسيسألنا عمّا فعلناه بإنعاماته التي زرعها فينا. وخير ما يجب أن يستوقفنا، في هذه التلاوة، قوله إلى رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب: " إنّ العشّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله". من دون توبة مثمرة، هذا الخزي هو ما سيصيبنا. لا يبتعد إنجيل قدّاس اليوم عينه عمّا تناولناه في البدء. فسؤال التلاميذ عن "علامة مجيء الربّ ومنتهى الدهر"، يختم لهم جوابه بذكر تينة. يريد ثمرًا. يريد أن تثمر فينا كلمتُهُ التي هي أبقى من السماء والأرض. يريد الآن.

يروي إنجيل سحريّة يوم الثلاثاء جدالات جرت بين يسوع والفرّيسيّين والهيرودوسيّين والصدّوقيّين، حول: الجزية التي تُعطى لقيصر، وقيامة الموتى، والوصيّة العظمى، والمسيح "ابن مَن هو؟". وهذه، التي تبيّن اشتداد الأزمة التي ستسوق حمل الله إلى الذبح، جعلته يُلقم مجادليه الحجر، ويعنّف كلّ مَن ينصب له العداء. لكنّ ما نسمعه يحضّنا على أن نطرح على أنفسنا أسئلةً مصيريّة: مع مَن نحن فعلاً؟ مع الربّ أو أعدائه؟ ماذا نفضّل؟ هل نفضّل كلمته أو أفكارًا عقيمةً تعودناها؟ أي هل نطيعه حقًّا، كلّيًّا؟ هذا تدعمه تلاوة إنجيل قدّاس اليوم. ففي هذه التلاوة التي تحثّنا، فيما ننتظر مجيء الربّ ثانيةً، على السهر الدائم الذي هو من معاني الطاعة التي هي توبة القلب، تُمَدُّ لنا أمثلة ثلاثة (الوكيل الأمين، العذارى، والوزنات). وهذه، التي يختمها كلام الربّ على الدينونة التي قاعدتها خدمة المحبّة (ما فعلناه للإخوة الصغار)، ينقلنا غنى معانيها من جوّ الأعداء إلى جوّ الأصدقاء! ويصدمنا أنّ بين أصدقاء الربّ مَن يعصونه، مَن ليسوا بأمناء، مَن يبرّرون الخيانة، ومَن لا يحبّونه في مظاهر تواضعه! وهذا كلّه مرآةٌ لنفوسنا: مَن نحن؟

removed from cross

إضغط الصّورة لتنزيل كتيّب يشرح صلوات الأسبوع العظيم

بعد تذكيرٍ بإقامةِ لعازر التي صارت على كلّ لسان، يُرينا إنجيل سحريّة يوم الأربعاء بعضَ التلاميذ يحملون إلى يسوع توق أناس، أتوا من بعيد، يطلبون أن يروه. يسمعهم، ويبدأ يكلّمهم على الساعة، التي يتمجّد فيها ابن البشر، والتي ستلقي، الآن، رئيس هذا العالم خارجًا. ظاهريًّا، طلب رؤية يسوع وكلامه على ساعته لا علاقة لأحدهما بالآخر. أمّا واقعيًّا، فما قاله عن تمجيده هو الجواب الفعليّ عن طلب رؤيته. أن ترغب في رؤية يسوع، لهو أن ترغب فيه مصلوبًا (أنظر: 1كورنثوس 2: 2)، أن تتوب إليه "معلَّقًا على خشبة" حبًّا بك وبالعالم كلّه قريبًا وبعيدًا. ثمّ تردّنا التلاوة إلى واقع التاريخ، إلى جرح عدم الإيمان. ويعمق إلحاح الأسئلة التي تريدنا أن نطرحها على أنفسنا: أين قلوبنا؟ هل نحبّ مجد الله أو مجد الناس؟ هل نرى في يسوع كلمة الآب؟ أمّا إنجيل قدّاس هذا اليوم، فيخبرنا عن امرأة خاطئة اقتحمت بيتًا، كان يسوع ضيفًا على صاحبه، وأفاضت على رأسه قاروة طيب كثير الثمن، فاستحقّ ما فعلته أن يلتصق بكرازة الإنجيل في العالم كلّه. وهذا، أيضًا، يطرح على ضمائرنا بعض أسئلة. هل نحن نوافق على ما فعلته هذه المرأة التي ذكرُها يعبق، كما طيبها، بذكر التوبة؟ يقول الإنجيل إنّ التلاميذ غضبوا، وقالوا لِمَ هذا الإتلاف، فماذا عنّا؟ هل نحبّها في ما فعلته؟ هل نرغب في أن نشبهها؟ وعندما نكرز (هذا، إن كنّا نفعل!)، فهل نذكرها؟ هل نقبل أنّ كلّ حبّ في الأرض (حبّنا للفقراء وغيرهم) قاعدته ألاّ نبخل على يسوع بشيء، أن نحبّه أوّلاً؟ في الواقع، ما من توبة حقّ لا يستدرّها حبّنا للربّ أوّلاً.

أمّا إنجيل سحريّة الخميس (الذي يحجبه، في الممارسة الحاليّة، إجراء "سرّ الزيت المقدّس")، فيصفعنا بخبرَيْ خيانة يهوذا وإنكار بطرس، تلميذين من الاثني عشر! فنزداد يقينًا أنّنا كلّنا، في أيّ موقع كنّا، تحت الفحص دائمًا. أمام هذه الصفعة المؤلمة، ما من أحد يمكنه أن يزكّي نفسه. ويشعّ إنجيل قدّاس هذا اليوم العظيم بخبر أنّ الربّ إنّما هو محيي العالم بتقديمه لنا جسده ودمه المباركَيْن. إنجيل طويل يرينا أنْ ليس من توبة فعليّة لا ينعشها قبول "سرّ الشركة" أبدًا. وفي خدمة الآلام، مساء اليوم عينه، نقرأ، إلى خطبة الوداع المنيرة، كلّ ما جرى للربّ: القبض عليه، محاكمته، والآلام (البصاق والسياط والتقريعات) التي اكتملت بصلبه ودفنه، لنسترجع أسئلتنا، ونبكي على نفوسنا المظلمة. لكنّ هذا الجوّ المفعم بالرهبة لا يحرمنا فسحة رجاء: توبة اللصّ، لنهرول إلى فمه، ونقتبس منه أن "يذكرنا الربّ في ملكوته".

نستعيد، صباح الجمعة، في أناجيل الساعات الملوكيّة وصلاة الغروب، بعض ما قرأناه ليلة أمس. فالحدث جلل، ويجب أن نعيده على أنفسنا ما استطعنا. يجب أن نذكره دائمًا، ليصبح ذاكرتنا. أمّا خدمة سحريّة السبت، فتكرِّر، أيضًا، قراءة الإنجيل الذي ختمنا به خدمة الآلام، الإنجيل الذي قرأنا فيه أنّ اليهود ضبطوا قبر يسوع بالحرّاس، وختموا ذلك الحجر الذي سيكشف إنجيلُ قدّاس سبت النور أنّه رُفِعَ، لينهي أسئلتنا المتعِبة، ويثلج نفوسَنا بخبر قيامة إله غَلَبَ كلَّ خطايانا، وضمّنا إليه ضمًّا أبديًّا.

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content