الأب إيليّا متري | Father Elia Mitri

هل نؤمن بأنّ المسيح قام حقًّا؟

إذا تفحّصنا واقعنا سريعًا، لنفتّش عن جواب لهذا السؤال الرهيب، فقد نجد الكثيرين بيننا يعتقدون أنّ المسيح قام حقًّا. ولكنّ واقعنا عينه لا يخفي عنّا أنّ هذا الاعتقاد يكاد تطبيقه يكون موسميًّا فقط لا غير، يكاد يكون فكرةً جميلةً، أغنيةَ طرب، كلامًا عذبًا لا علاقة له بحياتنا، أيضًا فقط لا غير.

            لم نحمل قلمًا، لنهاجم واقعًا فتّاكًا، فنبدو كما لو أنّنا نختلس موقعًا ليس لنا. والله شاهد على أنّ كلّ ما نرجوه، في هذه السطور، أن نحاكي ما أراده المسيح الذي أحيانا بموته وقيامته. وإن كان هذا رجاءنا، فكيف يتحقّق، إن لم نلتزم نحن مقتضياته؟ كلّ سؤال، يطرح ذاته على ضمائرنا، يفترض أن نفتّش عن جواب له. وسؤال الأسئلة هو: هل نؤمن بأنّ المسيح قام حقًّا؟ إن أجبنا نعم، فربّما لن يكتفي مَنْ ينتظر الإجابة بجوابنا. ربّما سيطلب منّا أن نثبت ما نقوله. فماذا سنجيبه، إن سألَنا مثلاً: كيف أراكم تطفرون إلى صلوات الفصح كما تطفر الأيائل إلى ينابيع المياه، ومن ثمّ أرى معظمكم، بعد انقضاء العيد، ينامون نومة أهل الكهف؟ لِمَ العيد، عيدكم، يبدو لي كما لو أنّه لعبة جديدة في يدَيْ ولد، جديدة إلى حين؟ لِمَ تبتعدون؟ مَنْ يبعدكم؟ أين تعلّمتم أنّ العيد موسم؟ مَنْ أخفى عنكم أنّني أنا العيد؟ وَلِمَ لم تبحثوا؟ لِمَ لم تسألوا؟ هل سألتم، ولم تُجابوا؟ هل أُجبتم، ولم تقنعكم الإجابة؟ وماذا يعوزكم، لتنقذوا أنفسكم من دمار عدم المعرفة؟ وماذا سنجيبه، إن سألَنا: لِمَ أرى كثيرين منكم، أمام موت قريب أو عزيز، منعدمي الرجاء؟ أن تحزنوا شرعيّ، لكن هل شرعيّ أن تتعاملوا مع الموت كما لو أنّه النهاية؟ ألم تسمعوا أنّني "أنا البداءة والنهاية"؟ ما هذه الثياب السوداء التي ترتدونها في أوان أتراحكم؟ هل تعزّيكم؟ وهل يعزّي بعضكم أن ينقطعوا عن "شركة كنيستي" إلى أجلٍ يرضيهم؟ هل قمت من الموت، لتفرحوا بي فقط، أو لأمدّكم بحياتي، وأفرح بكم أنا أيضًا؟ وماذا سنجيبه، إن سألَنا: لِمَ أرى ضيق مآزقكم يحطّمكم؟ لِمَ هذا التعب الذي يعمّر نفوسكم؟ ما الذي خرّبكم؟ أين "ثقتكم بأنّني قد غلبت العالم"؟ أين فرح فصحي؟ لِمَ لا أراه يقفز من عيونكم؟ أين ثباتكم؟ لِمَ لا أراه عظيمًا في شدائدكم ومشقّاتكم؟ ما الذي يقلقكم؟ هل تهولكم المصادفات المرّة كما تهول أيّ طفل لم يغازل الخامسة من عمره؟ أين نضوجكم؟ كيف لم تفهموا أنّني أنا نصركم في الآن الصعب، واللحظة المجنونة، ونصركم دائمًا؟ أين تنظرون؟ يا أيّها الذين تتباهون بانتسابكم إليَّ، أين عيونكم؟ من أين ينبع فكركم؟ ما هو سند سلوككم؟ لِمَ انهيار الكثيرين منكم يكاد يكتمل؟ هل هي الضيقة الاجتماعيّة؟ هل هي الأوضاع السياسيّة؟ أنا يسوع الناصريّ ربّ الكون، أراكم، على عرجكم أمامي، تتراكضون خلف زعمائكم الأرضيّين كلّما نادوكم، تصفّقون، وتهيّصون، وتتركونني من دون اعتبار إن كانت مناداتهم تقع في "يوم عشائي"، أأنا أُترَك؟ تتباهون باتّباعكم سيرة العالم، وتتركونني؟ أنا الذي أتيت إليكم، وناديتكم، وأفرحتكم بكلماتي، وأحببتكم بسخاء، أنا أُترَك؟ ما بالكم، هل فقدتم رشدكم؟ لا تعتقدوا أنّني لا أفهم الدنيا، أنتم لا تفهمون أنّ هذه الدنيا، التي أحييتها، أريد أن أمدّها بحياتي فيكم باستمرار، فمتى تفهمون؟ أريدكم أن تحملوني إلى عملكم وجامعاتكم وتجمّعاتكم، وأينما دخلتم وخرجتم، فمتى تفهمون؟ ومتى تراكم تفعلون؟ إن أجبتموني نفهم نفعل، فسأسألكم سؤالاً واحدًا هنا: هل تَزينون ما ترونه وما تسمعونه على كلمتي حصرًا؟ وما دمتُ قد ذكرت كلمتي، أخبروني: مَنْ منكم يعرفها؟ مَنْ قرأ كتابي من الدفّة إلى الدفّة؟ تقتحمني أصوات تبريراتكم أنّكم مشغولون دائمًا، أتعتبرونني ساذجًا؟ ما قيمة حياتكم إن كنتم تجهلون ما كلّمتكم به؟ كيف تتنبّه آذانكم؟ وكيف تتنقّون؟ تعالوا نرَ الآن، هلاّ ردّدتم على مسمعي آيةً واحدةً قلتُها كما قلتُها؟ هل تعتقدون أنّني لا أعرف ما تعرفونه كلّه؟ هل تتصوّرون أنّني لا أعلم بما أنتم متشاغلون؟ تختارون التفه، وتكادون تعبدونه، وتقولون إنّني أعرف أحوالكم، وتتكلّمون على رحمتي، وماذا لو قذفت بابي بوجوهكم؟ وماذا، إن أكمل: لماذا أرى بينكم فقراء؟ أحييتكم، لتخدموا حياتي، والناس يموتون حولكم، وتكتفون بمشاهدتهم، وتتأسّفون؟ غريب أمركم فعلاً. وماذا، إن: أين سلام عائلاتكم؟ لِمَ الكثير منها تفكّك؟ ما هذا الجنون غير المبرَّر؟ مجانين أنجبوا! فهاتوا أسمعوني: ماذا تفعلون لأولادكم؟ أتربّونهم بـ"تأديبي ونصحي"؟ تعمِّدونهم أطفالاً، وأعود لا أراهم في بيتي، لِمَ لِمَ؟ تعتقدون أنّكم إن علّمتموهم أن يُصلّبوا وجوههم ويُتمتموا كلماتٍ ترضيني، فسأرضى؟ ربّما أرضى عنهم، أمّا عنكم أنتم، فيكف لكم أن تضمنوا رضاي؟ تبعدونهم عنّي، وتضمنون رضاي؟ ألا ترون حالهم بعيدًا؟ ألا ترون الكثيرين منهم أبدلوا نهارهم بليلهم؟ ما هذا التعلّق بالملاهي الليليّة؟ وتبريركم ما يفعلونه حفظته غيبًا: ينكبّون على دروسهم طيلة أيّام الأسبوع، ويحتاجون إلى أن يرفّهوا عن أنفسهم، ما هذا؟ ويحيّرني أنّه يقنعكم، ألا يقنعكم؟ قولوا لي: ألا يقلقكم حالهم؟ غيابهم المتعاظم عن عيونكم جعلهم يخفون عنكم ما قد يُلغيهم، ألا تعرفون؟ ألم تعرفوا أنّ بعضهم أدمنوا الموت كحولاً أو مخدّرات؟ ألم تسمعوا بالغارقين في الفجور والجنس المثليّ؟

هل أسأل بعدُ؟ أنا، خوفًا عليكم، سأكتفي، وسأختصر الأسئلة كلّها بسؤال واحد: هل تؤمنون بأنّني قمت حقًّا؟ فكّروا، وأجيبوا أنفسكم.

            المسيح قام، حقًّا قام.

شارك!
Exit mobile version