10أبريل

نيقوديمس أيضًا

له إطلالتان بعدُ. سنستدلّ على مجرياتهما (يوحنّا 7: 50، 19: 39)، ونعلّق.

المناسبة كانت آخر أيّام "عيد الأكواخ" (أنظر: خروج 13: 14، 34: 22). والجوّ كان محتدمًا. الناس يتجادلون في أمر يسوع. بعضهم كانوا يرونه النبيّ، وسواهم المسيح. وآخرون كانوا يقولون: "أَفَتُرى من الجليل يأتي المسيح؟". وكان قوم، يخدمون رؤساء الكهنة والفرّيسيّين، يريدون أن يمسكوه. لم يقدروا. ورجعوا إليهم فارغي الأيدي. كان الرؤساء

مجتمعين. لم يوفّروا توبيخهم على فشلهم. وبدا فشلهم موقفًا. قالوا: "لم يتكلّم إنسان مثله قطّ"! اعتُبروا ضالّين. وأعطى الرؤساء أنفسهم مثلاً: إن كنّا نحن لم نؤمن به، لا يليق بأحد أن يفعل! وأهانوا الذين يخالفونهم بقولهم: "أمّا هؤلاء الرعاع الذين لا يعرفون الشريعة، فهم ملعونون". وأطلّ نيقوديمُس الذي أتى إلى يسوع ليلاً. كان رئيسًا مثلهم. وكان معهم. وقال أمرًا يناقض حقدهم الظاهر. قال: "أتحكم شريعتنا على أحد قَبْلَ أن يُستمَع إليه، ويُعرف ما فعل؟". معلّم يعرف الكتب (أنظر: تثنية 1: 16). لا يعرفها تمامًا كما أراده يسوع في اللقاء الأوّل. لكنّه، هنا، أسقط آيةً على مَنْ كان معهم تنقض حكمهم المرتَجل على مَنْ يجهلون الشريعة. فاستخفّوا به، وشتموه. قالوا: "أَوَأنت أيضًا من الجليل؟". وتابعوا: "ابحث ترَ أنّه لا يقوم نبيّ من الجليل" (7: 40- 52).

هذا سياق إطلالة نيقوديمُس الثانية (3: 1- 21). كثيرون مِمَّنْ قرأوا ما نطقه، في ذلك المجلس المتآمر، اعتبروه يدافع عن الربّ الذي أتى إليه ليلاً. ويرجَّح أنّهم على حقّ. فما قاله، أبداه يبعد، قليلاً أو كثيرًا، عَمَّنْ رغبوا في القبض على يسوع. هل أثّر فيه الربّ في حوارهما الأوّل؟ هل كان يريدهم أن يسمعوه، كما فعل؟ هذا مرجَّح أيضًا. وما أراده، دفعهم إلى الاستخفاف به وشتمه (أن يُلقَّب أحد بأنّه "جليليّ"، كانت، حينئذٍ، شتيمةً مقزّزة). لحقت به نتائج زيارته الربّ قَبْلاً! ما من أمر يدلّنا على أنّ الشاتمين قد علموا بأمر زيارته. لا، بل ثمّة ما يدلّ على عكس ذلك. ثمّة الليل. فالليل يطغى ذكره، أيضًا، هنا. فنيقوديمُس باقٍ ذاك "الذي أتى إلى يسوع ليلاً". هذا يصرّ عليه الإنجيليّ بتكرار ظاهر. هل أراد يوحنّا، بتكراره ذكر الليل، أن يذكّرنا بالزيارة التي أتمّها نيقوديمُس قَبْلاً، أو أنّه لمّا يقفز من الليل؟ أعتقد أنّه أراد أن يشير إلى الزيارة. بلى، كان ذكر اسمه يكفيه. لكنّه ذكر الليل، لنراه قد بدأ يقفز منه، قليلاً. هذه الـ"قليلاً" يدعمها أنّه لم يردّ الحجّة المرتَجلة بدفعهم إيّاه إلى أن يبحث ويرى أنّه لا يقوم نبيّ من الجليل. سمعهم. ولم يحرّك ساكنًا في أمر هذا الارتجال. هذا لا يخفيه يوحنّا. هل لم يعرف أنّ ما من شيء يؤكّد أنّ المسيّا لا يمكن أن يأتي من الجليل؟ قالوا: لا يقوم. ولم يردّ نيقوديمُس المعلّم: لا شيء يمنع أن يقوم. وعلى ذلك، لا نستطيع أن نقلّل من قيمة ما قاله، أو نغضّ الطرف عن أنّه شُتم كُرمى ليسوع! وإذًا، بدأ يقفز.

أمّا إطلالته الثالثة، فتمّت بعد أن أتمّ يسوع كلّ شيء (19: 38- 42). وهذا يرويه يوحنّا هكذا: كان رجل، اسمه "يوسف الراميّ"، "تلميذًا ليسوع يخفي أمره خوفًا من اليهود". هذا جاء إلى بيلاطس الحاكم، وسأله أن يأخذ جثمان يسوع الذي تأكّدت ميتته على الصليب. فأذن له بيلاطس. فجاء فأخذ جثمانه. "وجاء نيقوديمُس أيضًا، وهو الذي ذهب إلى يسوع ليلاً من قَبْلُ. وكان معه خليط من المرّ والعود (نوعان من الطيب)، مقداره نحو مئة درهم (أي 32,700 كيلو)". وأكملا دفن يسوع. ماذا أراد الإنجيليّ أن يخبرنا عن نيقوديمُس هنا؟ على ذكره الليل مرّةً ثالثةً، أراد أن نراه قد زاد في قفزه. أمور عدّة تدفعنا إلى أن نقرّ في هذه الإرادة، نذكر منها أنّه: 1) بدا قد تجاوز خوفه (مع أنّ يوسف هو مَنْ واجه بيلاطس وحده، يجب أن نرى أنّ الرجلين شريكان في الجرأة). 2) سخا على شخص لم تربطه به سوى قرابة الآيات التي سمعها عنه أو منه. 3) بذل تعبًا في سبيله (أنظر مثلاً: وزن الطيب الذي كان هذا الشيخ يحمله). ماذا جرى بعد آخر إطلالة؟ لا يذكر يوحنّا سوى: "غير أنّ عددًا كثيرًا من الرؤساء أنفسهم آمنوا بيسوع. ولكنّهم لم يجاهروا بإيمانهم، بسبب الفرّيسيّين، لئلاّ يُفصلوا من المجمع..." (12: 42 و43). واعتقد بعضٌ أنّه قصد نيقوديمُس ضمنًا. لكنّ نيقوديمُس يبدو يجاهر هنا. وربّما يوحنّا، بإعلامنا أنّ يوسف تلميذ مستتر، أراد أنّ نيقوديمُس بات تلميذًا أيضًا. وهذا، مقبولاً، يبديهما شريكين في الجرأة وفي كلّ شيء. أخيرًا، ناجى يوحنّا بسرّ نيقوديمُس. أعلن، بوضوح كلّيّ، أنّه ترك مَنْ كان يمثّلهم. وهجر الليل والحيرة وسوء الفهم. واختار مَنْ كان الرؤساء يريدون قتله، وقتلوه فعلاً، إلهًا، في موته، قادرًا على أن يخرجه إلى الضوء. وإذًا، أتمّ قفزته.

في خبر دفن يسوع، ذكر الإنجيليّون جميعًا يوسف الراميّ (أنظر أيضًا: متّى 27: 57؛ مرقس 15: 43؛ لوقا 23: 50). وذكر يوحنّا، وحده، أنّ نيقوديمُس كان معه. العلماء يعتقدون أنّ لكلٍّ مصادره. وكان مصدر يوحنّا يؤكّد أن: كان ثمّة رجل فرّيسيّ أتى إلى يسوع ليلاً، وكلّمه الربّ على الولادة الجديدة. بدا لم يفهم شيئًا. ولكنّ كلمات يسوع حفرت فيه عميقًا، وميّزته عن أترابه. وأنطقته الأمانة في اجتماع كان يعجّ بالحقد. ثمّ قادته إلى الموقع (القبر) الذي يُحقّق كلّ جدّة. وهناك، جرت، سرّيًّا، ولادته الجديدة. عاد طفلاً من جديد! لم يعد إلى بطن أمّه، بل اختبر البطن الحقيقيّ الذي يصنع كلّ إنسان جديدًا.

الإنسان ينكشف. وانكشف جَمال نيقوديمُس الذي قاده إلهه الحيّ إلى أن يكسر حواجز كلّ ليل!

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content