إذا شئتُ أن أصنّف النوع الأدبيّ الذي تقع فيه هذه الكلمات، أقول إنّها، في ما كَتَبْنا نحن المسيحيّين، تشبه، صناعةً، الأدب النسكيّ من حيث الشكل، ولئن كان مضمونها أقرب إلى روح العصر، على كونها نابعةً من الإنجيل.
لن أتطرّق إلى جمال السبك، مع أنّه يغري العارفين، وهو، أبدًا، إغراء عند الكاتب والقرّاء والسامعين، إذ أحسست أنّ في تلاوته اغتباطًا كما في سماعه. ولكنّي مهمل هذا الجانب من الكتاب، لأنّ النصّ يتسلّل إلى القلب، ليرفع عنه أذى اللذّة، ويحرّكه إلى وجه المسيح.
هذا، إذا تلفّظ الكاتب باسمه أم لم يتلفّظ، هو ملء الكتاب. يسوع، مركّبًا كلمات، لِمَ لا؟ الذي كان في البدء، أي قبل البدء، كلمةً يتطوّع لمن وصل فيه حبّه إلى صبّ سطور عنه.
غير أنّ حقيقة هذه التأمّلات شكلُها حواريّ يواجه فيها الكاتب أحدًا من الناس، ويبدو الربّ في هذا الحوار. وإذا أحببتُ أن أزداد وضوحًا لهذه الحوارات، لقلتُ إنّها اعترافات طرحت عليّ، غير مرّة، سؤالاً عن كيف يضع الأب إيليّا متري نفسه في منزلة معترف مبيّنًا أهوان نفسه تحت القضاء ومحدّثه - وقد يكون ابنًا روحيًّا له - جالسًا على كرسيّ القضاء. لماذا هذه التعرية أمام القارئ؟ لِمَ هذه الصراحة، وهي ليست حقًّا للقارئ، وكأنّه يقيم نفسه في اعتراف أمام الجماعة كلّها، وعند الطبع، قد يكون القارئ من ضعفاء الإيمان؟ تذهلني هذه التعرية، إذ تدخلنا في عالم الإنسان إيليّا متري مشلوحًا في فحص كبير لدى الديّانين، وليست لهم هذه الصفة أصلاً، ولكنّ المؤلّف خلعها عليهم، ليكون تحت حكمهم لعنةً أم تخشّعًا. هل "حرّك نفسه" إيليّا متري كما السيّد أمام قبر لعازر، وكأنّ كلّ قارئ عنده لعازره؟ غاية الأب إيليّا متري أن ينهض قارئه إلى الحياة التي في المسيح. إذ لم يخترع الكاتب حياةً جديدة. أخذ تلك التي استلمها من سيّده، ووضعها في قالب عصريّ، لا لتلتقي أنت الأب إيليّا، ولكن لتحيا بكلمة السيّد، له المجد فيك.