دخل جامعة خاصّة بعد أن دبّر مال الفصل الأوّل. وكان أهله فقراء، وما كان بمقدورهم تأمين مال الأقساط المتبقّية. وكان مظهره يدلّ على فقره المدقع.
أتاه، يومًا، زميل له جديد، في الجامعة، لا تأصِره عليه آصرة، بعد أن عرف، من منظره، أنّه يأرب إلى العون، وعرض عليه المساعدة قائلاً له: إنّ أبي يشرف على مؤسّسة تعنى بمساعدة الشباب الجامعيّ، وتأمين المال اللازم ليكملوا تخصّصهم.
اهتمّ الشابّ كثيرًا بكلام زميله، وسأله: وما هو شرط هذه المساعدة؟ أجابه: شرطها أن يتعهّد الطالب أن يلتزم إعادة المال عينه من دون أيّ فائدة، بعد أن ينهي دراسته، ويجد عملاً له.
لم يصدّق الشابّ ما سمعته أذناه. وشعر بأنّ هذا العرض نعمة هبطت عليه من السماء. وقَبِل بامتنان. وأكمل دراسته. وتخرّج. ووجد عملاً. وصار يسدّد الدين، بانتظام، ويودع المال يد زميله.
ثمّ وصل إلى آخر مبلغ كان متوجّبًا عليه، فقال له زميله نفسه: الآن يمكنني أن أقول لك حقيقة ما جرى. إنّ المؤسّسة، التي كلّمتك عليها، قد أفلست منذ بدء مساعدتها إيّاك، وأوقفت كلّ مساعدة لك ولغيرك. ولكنّ أبي تعهّد أن يلتزمك شخصيًّا بعد أن عرف وضعك وجدّيّتك وحسن أخلاقك.
صدمه ما عرف، وطلب من محدّثه أن يزورهم، في منزلهم، ليشكر لأبيه عونه. ولكنّ ذاك أجابه: أطلب منك أن يبقى ما قلته لك سرًّا بيني وبينك، فإنّ أبي لا يرضى بأن يعرف أنّني أخبرتك!