7سبتمبر

مريم ومرتا

تربطنا، أختي مريم وأنا، بيسوع صداقة وطيدة. مَن لا يرغب في صداقته؟ مَن لا يحبّه؟ مَن لا يريد الناس أن يصادقوه جميعًا، وأن يحبّوه جميعًا؟ أختي مريم وأنا ارتضينا صداقته، وفهمنا أنّ حياتنا لا قيمة لها إن لم نوظّفها في خدمة محبّته ونشر صداقته في الأرض. كنّا نعلم أنّ كثيرين تركوا كلّ شيء، وربطوا مصيرهم بمصيره. بعضهم رجال. وبعضهم نساء "كنّ يساعدنهم بأموالهنّ" (لوقا 8: 1- 3). أمّا أختي وأنا، فلنا ارتباطنا به! يسوع يعلم بأنّ بيتنا بيته. وكلّما أتى إلى قريتنا، يكرّمنا بزيارته. كلّ قريتنا تعلم أنّه، اليوم، سيأتي إلينا. ونحن مشغولتان بالإعداد لاستقباله (لوقا 10: 38- 42، و11: 27 و28).

                عندما أتى يسوع، عجّ بيتنا بمَن يرافقونه وبمَن أتوا إلينا، ليروه، ويسمعوه. لم نكن أختي وأنا من المياسير. لم نمتلك قصرًا أو بيتًا كبيرًا. لكنّ بيتنا، على عادة البيوت الشعبيّة المعروفة في مدننا وقرانا، يكبر بضيوفه وزوّاره! أتى، وفرحنا به وبكلّ مَن أتوا معه إلينا. هذا من مقتضى نشر المحبّة والصداقة. وأخذتُ أنا أخدم الضيوف وحدي. قدّمتُ، أوّلاً، الماء إلى الآتين منهم من بعيد، ليغسلوا أرجلهم وأيديهم. هذا من أصول الضيافة عندنا. ولكنّ أختي، منذ وصول يسوع، لزمته. منذ وصوله، لم تحرّك ساكنًا! رأتني، بأمّ عينيها، أخدم الموجودين كلّهم. وآثرت هي أن تقعد عند قدميه كما لو أنّها واحدة من تلاميذه!

                رأيتُها. كانت منجذبةً إلى كلماته. هذه عادتها. فأشرتُ إليها. ولم تتحرّك. اضطربتُ. وظهر عليَّ أنّني اضطربت! كان يسوع يكلّم الذين حوله! وزاد على اضطرابي أنّه لم يقل لها شيئًا. فوقفتُ. وتوجّهتُ إليه أشكوها. قلتُ له جهارًا: "أما يعنيك أنّ أختي تركتني أخدم وحدي". وأردفت: "فقل لها تساعدني".

                لم يكن قصدي أن ألومه. حاشا! لكنّني طلبتُ أن يذكّرها بأن تعينني. وقصدي أن تساعدني في واجبنا، لنتفرّغ، بعد أن نتمّمه، إلى سماعه معًا. العمل، إن نفّذه اثنان، غير العمل الذي يتمّه واحد!

                كنتُ أعلم، إن طلب يسوع منها ما طلبتُهُ إليه، أنّها لن تردّ طلبه. أليس هذا شأن التلميذ؟! وكانت ثقتي بأنّه لن يردّ طلبي. لكنّه ردّه. ردّه توًّا. ردّه جهارًا. قال لي: "مرتا مرتا، إنّك مهتمّة ومضطربة في أمور كثيرة. وإنّما الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها".

                هل صدمني ما قاله لي؟ لا، لم يصدمني! لو صدمني، لَمَا أخفيتُ اعترافي. فأنا، معه، تعوّدتُ أن أبوح بما عندي، بكلّ ما يتحرّك في نفسي التي يعرفها، وأنتظر. لم أفرض رأيي عليه يومًا. أقول ما عندي. وأسمع ما عنده. وإن كان ما عنده يخالف ما عندي، أخفي نفسي، وألتزم كلمته. أنا تلميذة أيضًا!

                لا، لم أفهم أنّ يسوع قد استقبح خدمتي، وفضّل موقف أختي. فللتلميذ ما يعمله دائمًا. أضاءني بأنّ ما أقوم به يجب أن يبقيني واعيةً أنّني تلميذة أبدًا. أن آتي من الخدمة إلى كلمته، أو آتي من كلمته إلى الخدمة، أمران يجب أن يبقيا، عندي، أمرًا واحدًا. كشفتُ نفسي (التي يعرفها)، وأوضح لي نفسي. استفدتُ كثيرًا. وثقتي بأنّ مَن كانوا في بيتي، أختي وكلّهم، قد استفادوا، هم أيضًا، كثيرًا. كان ودّي أن نقدّم، أختي وأنا، إلى يسوع ومَن معه ما اعتبرناه ضيافة. وأضافنا بما عنده. بدا لي، وبدا لآخرين، أنّه الخادم على الإطلاق، الخادم من دون منازع. وكانت خدمته أنّه ردّني إلى أن أبتعد عن أن أريد الآخرين كما أريدهم أنا، وأقبلهم كما يريدهم هو. لو رأى يسوع أنّ أختي على خطأ، لقال لها. تسرّعتُ! أجل، تسرّعتُ باعتباري أنّ أختي قد تركتني. إن كانت معه، فكيف تكون تركتني؟ مَن معه، يكونون هم معي أيضًا. ما نفع الإنسان إن انفصل عنه؟ ألم أقل إنّني أريد الناس أن يصادقوه، ويحبّوه؟ ما معنى إرادتي إن لم أبقَ أعي أنّ أصدقاءه ومحبّيه يمكنهم أن يتصرّفوا، أمامه، في بيتي أو في بيته، بحرّيّتهم التي بُرئوا عليها؟

                اضطربتُ؟ قلتُ (وقال لي) إنّني اضطربت. ولكنّه هدّأ اضطرابي. نحن النساء ننحاز، طبيعيًّا، إلى العمل. فهمني يسوع. فهم انحيازي، وفهم ما ينقصني. أرادني أن أعمق في الفهم. هذا شأن الصديق الذي يريد أصدقاءه كبارًا في الخير! لم يدعوني إلى أن أغيّر طبيعتي. هذّبها! بتهذيب، إنّما بصرامة، قال ما قاله. معي، يعرف أنّه قادر على أن يكلّمني كما يريد. ودائمًا، يكون على حقّ. ربّما اعتبر بعض الذين اتّكأوا معه في منزلي أنّه وبّخني. أقول ربّما! وإن كان! هذا، عندي، لا يغيّر أنّه على حقّ. لا، لم أردّ عليه، ليتعلّم آخرون أن يقبلوا منه التوبيخ! هذا يجعل ما قاله لي كما لو أنّه قاله لسواي. أنا قبلتُ الحقّ منه. ولكن، إن أراد أحد أن يتعلّم ممّا خصّني به، فهذا لا يرضيني كثيرًا فحسب، بل يفرحني كثيرًا أيضًا. فالعالم، كلّه كلّه، ينبغي له أن يتعلّم منه أنّ الكلام، الذي يقوله، هو الذي يدعونا إلى الالتزام الفاعل.

                تركني يسوع. تركني أنا وأختي. تركنا، ولم يتركنا. وذهب يزرع الأرض بحبّه وحكمته. بعد خروجه من بيتي، وصل إليَّ أنّ امرأةً رفعت صوتها من بعيد، وقالت له: "طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما". سمعها. وقال: "بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله، ويحفظونها". أنا أتتبّع كلماته وأخباره. ولكنّ هذا الكلمة، التي لفظها، رأيتُها تكمل ما جرى في بيتي. هل أراد يسوع أن يكمل ما قاله لي؟ هل كان يخاطبني من بعيد؟ أنا أعتبرتُهُ يفعل! كلّ ما يخرج من فمه يعنيني. هذا، وحده، يبقيني تلميذة! وزادني ما وصل إليّ ثقةً بحقّ كلمته التي، إن بقيتُ على خدمة صداقتها، تحفظني، وتحييني.


(نشر المقال في نشرة "رعيّتي" التي تصدرها مطرانيّة جبيل والبترون (جبل لبنان) )

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content