29أغسطس

لغة الناس

       اقتحمتْ بيته، ودخلت غرفة داخليّة، وركعت بين سريرين لتختبئ من ظلم أصابها، وطلبت منه أن يحميها، لأنّ أسيادها أبرحوا في ضربها. وفيما كان يهدّئ من روعها، وصل الضاربون، وكانت شرارات الغضب تتطاير من عيونهم، وطالبوه بها.

       حاول أن يكلّمهم بالحسنى. ولكنّهم لم يصغوا إليه، وأرادوا أن يفتّشوا البيت. فمنعهم. هدّدوه بالقانون، وحجّتهم أنّه يتدخّل في أمر لا يعنيه. وحاول واحد منهم أن يتهجّم عليه. فخرجت الفتاة التابعة خوفًا من شدّة صراخهم وشتائمهم. وقبل أن تذهب معهم صاغرة، حاول، مجدّدًا، أن يكلّمهم على محبّة فعل الخير، وعلى المعاملة التي ترضي الله. أمّا هم فضحكوا منه علنًا، وخرجوا!

       فكّر، طويلاً، في ما جرى. وقال في نفسه: إنّه خلاف بين أناس وخادمتهم. وأردف مخاطبًا نفسه: ما لك وللأمر! ولكنّ هذا لم يقنعه، وبقي قلبه يعصر ألمًا على الفتاة المضروبة.

       ثمّ فكّر في أن يذهب إلى بيتهم. ولكنّه تراجع عن فكرته، وقرّر أن يستشير صديقًا له. وفعل. فطلب منه صديقُه ألاّ يتدخّل هو في الأمر، لأنّ هؤلاء الناس سيّئو الأخلاق. وطلب منه أن يترك له أن يحلّ الموضوع.

       هدأ قليلاً، ولكنّ تفكيره لم ينقطع. وبقي على حاله، إلى أن جاء صديقه بعد نحو ساعة، وطمأنه قائلاً: لقد سوّيت المسألة. أراد أن يعرف كيف. فأجابه: لقد جعلتهم يتعهّدون بأن يحسنوا معاملتها، وألاّ يضربوها مجدّدًا. قال له: هكذا ببساطة. أجابه، لا، فقد كلّمتهم باللغة التي يفهمونها. أسفه كثيرًا أنّ بعض الناس فقدوا إنسانيّتهم، وعادوا لا يفهمون لغة الله والناس!

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content