كان شابّ معروف بالتزامه في الرعيّة صاعدًا، في أحد أيّام الصوم الكبير المقدّس، إلى كنيسة رعيّته، ليشارك في صلاة النوم الكبرى، عندما رأى شيخًا يشحذ الخطى ليصل قبل بدء الصلاة. فأوقف سيّارته أمامه، وعرض عليه أن يقلّه معه. فقَبِلَ الشيخ بامتنان. وبادره قائلاً، بتواضع زيّن محيّاه الذي أرهقته السنون: أنا أحبّ هذه الصلاة حبًّا جمًّا. ومن دون أيّ تبجّح أقول لك، يا بنيّ، للمنفعة، ما لم أقله لأحد، إنّي أصلّيها كلّ يوم منذ أن كنت شابًّا، وإنّي أصلّي أيضًا، كلّ صباح، الصلاة السَحريّة.
هذا كان كلّ الكلام الذي سمح الوقت للشيخ بأن يقوله للشابّ قبل وصولهما إلى الكنيسة. فنزل، وترك الشابّ غارقًا في بحر أفكاره. وخاطب نفسه قائلاً: آه يا نفسي، أين أنت من هذا كلّه. ألا ترين أنّ ثمّة أشخاصًا بيننا يخصّصون حياتهم لله بمحبّة وثبات. هؤلاء يحفظون العالم. هم درر كريمة في مستنقع أوحال. آه لو يذكروننا في دعائهم المبرور، لنعرف قيمة حبّهم المنوّر، ونذوق من سكراته الطيّبة، ونمتشق إلى بركات الدهر الآتي.
كان الكلام، الذي قاله هذا الشيخ الجليل، طللاً للشابّ من الله، فسجد قلبه للالتزام الخفيّ، وسمعه يتمتم في سرّه: حقًّا إنّ هذا الكلام، الذي سمعته الآن، هو "كلمة حياة".