عندما انضويتُ إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، كنتُ أظنّ أنّ ضمّ السيّدات في فِرَقٍ خاصّة لا علاقة لتيّارنا النهضويّ به. أسباب هذا الظنّ كثيرة. ولربّما أهمّها تفسيري للجهد الذي كان الإخوة المسؤولون يبذلونه في خدمتهم الشباب من غير عمر. إذ كنتُ أحسب أنّهم يعتبرونهم أوفر وقتًا وفاعليّةً لخدمة الكنيسة.
هذا تفسير ظنّ. ولستُ بمدّعٍ أنّني قد أصبت فيه. بلى، رأيتُ بعض النسوة، في الأعياد الكبرى، يقدّمن خدمات للكنيسة. وبلى، رأيتُ الإخوة المسؤولين ينظّمون أنشطة عامّة. وبلى، سمعتهم يطمحون إلى فرق لا تفرّق بين الرجل وامرأته. ولكنّي لم ألاحظ أنّ ثمّة مَنْ كان يعنيه أن تقام فرق لسيّدات يجتمعن أسبوعيًّا.
طبعًا، أنا أقرأ الماضي كما عايشته، ولا أستغرق فيه. فَلِفِرَقِ السيّداتِ، اليوم، مكانتُها في معظم الرعايا، ولا سيّما تلك التي للحركة دور فاعل فيها. وهذا تطوّره، عندي، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنيّة توسيع أطر التبليغ. فما يبدو ثابتًا أنّ الإخوة العاملين في هذا الحقل، كهنةً كانوا أم علمانيّين، رأوا أنّ اصطياد المرأة، ولا سيّما الملتزمة بيتها (من دون حصر)، في اجتماع أسبوعيّ، قد يساهم في تمتين وعيها والمشاركة في تحريك رعيّتها، وتاليًا قد يؤثّر إيجابيًّا في التزام من هم لها وإليها.
لن أقدّم، هنا، رأيًا في برنامج فرق السيّدات. فهمّي الأوّل هو الكلام على ضرورة هذه الفرق وتوسّعها. ويعنيني، قبلاً، أن أؤكّد أنّ كلّ خطاب عامّ يدعو إلى دورٍ للمرأة ودورٍ للشباب ودورٍ للكهنة (إلى آخر التعداد)، لا يجوز أن يخرج معناه عن التفصيل أنّنا جميعًا تربطنا مسؤوليّة واحدة عن الكنيسة كلّها. فالمرأة، ببساطة كلّيّة، عضو في شعب الله. ولها ما لغيرها إن حقوقًا أم واجبات. هذا إذا لم ننسَ أنّ كلّ دعوة خلاصيّة لا يمكن أن تقوم إلاّ على وعي شخصيّ. فالدعوة، في الأخير، إن هي سوى تذكير بما يجب أن يذكره المرءُ نفسُهُ، ولو ذكّره به آخر.
ربّما لن أزيد شيئًا، في ما أخذتُ الكلام عليه، على ما يعمله الكثيرون اليوم. غير أنّ ما يمكن قوله أنّ كلّ لقاء جوّه. وجوّ أيّ لقاء كنسيّ أن يجمع اللهُ "أهلَ بيته". وهذا يجب أن يعني لنا أنّ أعضاء هذه العائلة شأنهم أن يحيوا، بعضهم مع بعض، إخوة يظهرون سيادة الله وفكره وأخلاقه في كلّ قول وتصرّف. فالجوّ هو لله. وهذا لا يحتمل بدلاً. لست بوارد التشكيك في نيّات أحد. لكن، هل من الحقّ أن يُعتقد أنّ ثمّة، في العمل الكنسيّ، جاذبًا غير الله؟ في كلّ حال، من واجبنا أن نبعد عن تفكيرنا اعتماد أساليب لا علاقة لله بها (التسلية من أجل التسلية مثلاً)، لندعو الناس إلى الكنيسة. فما من عمل كنسيّ يستقيم، مهما غار الغيورون عليه، إن لم يقم على اقتناع كلّيّ بأنّ جدران الكنيسة، أي الوجود ضمن قاعاتها، لا ينقذ بحدّ ذاته، بل الوعي الفاعل لحضور الله.
لا أحد يبتغي الاستقامة يمكنه أن يحصر عمل الله في موقع. فللربّ ينابيعه الحيّة في صحراء هذا العالم. ولكن مَنْ يراقب واقعنا لا يشكّ في أنّ الوعي المسيحيّ الصارخ، بعيدًا من شركة الجماعة، نادرٌ جدًّا. قد تجد حبًّا هنا وبذلاً هناك. ويبقى، رغم الشهادات النافعة، ما تجده في حدود القلّة. ولذلك دعوتنا الواجبة أن نجدّ جدّنا، في غير موقع، ليبقى هذا الوعي قائمًا وقابلاً لكلّ توسّع. يجب أن نعترف بأنّ الدنيا صراعات. معظم عائلاتنا مهدّدة، أو تكاد. المرأة، التي قبض مسيح الله على قلبها، يمكن أن تساهم في خلاص أهل بيتها وبيوت كثيرة. من هذه القناعة الملزمة، يجب على النسوة، اللواتي يجتمعن في فرق اختبرن فيها حضور الله، أن يقمن بدورهنّ في مجتمع تزداد صعوباته فأوهامه. وهذا يفرض علينا جميعًا، مهما كان عمرنا وجنسنا، أن نقرن الحماسة بما يفترضها، فنبذل كلّ جهد لتأكيد رغبتنا في أن يسود الله كلّ لقاءاتنا وحياتنا جميعًا. ثمّة صفات رديئة ألصقت بالمرأة، ومنها الثرثرة والنميمة وحبّ الظهور وما إليها (وهي صفات لا يجوز حصرها بجنس)، يجب أن نضربها، حيث هي قائمة، بكلمة الربّ وفضائله. فجوّنا خاطئًا لا يمكن أن يبني أحدًا، أو أن يجذب أحدًا. لست بهذا أحسب أنّ الخطايا يمكن أن تعيق عمل الله. لكنّي، أيضًا، لا أقدر على أن أستبعد تأثيرها المرهق. ومن الجوّ أن نعرف اختيار ما يفترضه على غير صعيد. فدعوتنا الواجبة ألاّ نكتفي بعقد اجتماع أسبوعيّ والدعوة إليه، بل، إلى ذلك، أن تمتدّ اجتماعاتنا إلى لقاء يجمعنا في حياتنا معًا. ما من أمر يمكنه أن يوطّد حبّنا للسيّد نظير هذا الجمع الممدود. الجمع هو معنى كلّ اجتماع وغايته.
لا أقول شيئًا جديدًا إن ذكرت أنّ ثمّة نسوة كثيرات قد تبدّلت حياتهنّ بفضل لقاء اعتنقن حضور الله فيه. وهذا، الذي نرفع المجد للربّ عليه، يدفعنا إلى أن نذكّر أنفسنا، دائمًا، بأنّ الله يطلب أن تسعى المرأة المعتنقة حضوره، ما استطاعت، إلى تثبيت كلّ ما يناسب انتشار حبّه في قلوبٍ تحتاج إليه. كلّنا يعلم واجبات النسوة في بيوتهنّ ومع عائلاتهنّ. وعلينا جميعًا أن نعرف، من دون أيّ إهمال، أنّ الله يطالبنا جميعًا بخدمة حقّه. وهذا أمر يُطلب ولا سيّما من الواعين ذكورًا كانوا أم إناثًا. إن كان يفرحنا أن يكبر من يخصّوننا، فلا نستحقّ الفرح إن لم نساهم في كبر من يخصّون الله. وكلّ إنسان يخصّه. لست أبالغ إن قلت إنّ مشاكلنا أساسُ معظمِها أنّ الكثيرين بيننا مكتفون بأنفسهم. ونحن لن نقدر على مدّ حبّ الله بغير وعينا أنّ كلّ إنسان مسؤول عن عمل الله في العالم. هل يفيد قلوبنا أن ننسى مريم والدة الإله، أو النسوة اللواتي كنّ "يساعدن الربّ بأموالهنّ"، أو كلّ من اعتنى بولس أن يذكر أسماءهنّ في رسائله، أو النسوة المتزوّجات اللواتي أعلنت الكنيسة قداستهنّ؟ كلّ واحدة منهنّ كانت لها، بالتأكيد، مسؤوليّات في حياتها العائليّة. ولكنّهنّ بأجمعهنّ قرّرن، حرّاتٍ، أن يساهمن في خدمة الله وشعبه. وثقتي أنّه لا قيمة لكلّ ما نفعله إن لم تضف صفحات التاريخ أسماء نسوة كنّ لله في حياتهنّ.
قيمة كلّ إنسان أن يحيا لله. إن اجتمعت النساء إلى الله وبعضهنّ إلى بعض ووعين نصيبهنّ في الخدمة، نقدر على أن ننتظر "تغييرًا (دائمًا) ليمين العليّ"، في كلّ بيت، في كلّ بناء، في كلّ حيّ، وفي كلّ رعيّة. هذا ليس استبعادًا لأيّ عمل آخر يجمع المرأة وزوجها في اجتماع خاصّ مثلاً (وهو ما يصير هنا وثمّة). فنحن دعوتنا الثابتة أن نطرق أبواب الخدمة كلّها، ليكون كلّ بيت من بيوتنا المجاهدة وجهًا من وجوه عائلة الله الواحدة.