إن أحببتَ الكنيسة واشتهيتَ أن يزداد وعيُكَ نهضتَها حقًّا، فيجب أن تسعى، أوّلاً، إلى أن تنجح في كلّ ما تفعله، في هذا العالم، من خير يعنيك، وتاليًا أن ينجح الكلّ، إن أمكن.
أودّ أن أنقل، أوّلاً، خبرةً سحرت أذنيَّ وعينيَّ وكياني كلّه.
لمّا شغلتنا دعوةُ الله إلى التزام حياة الجِدّة، لفتنا أنّ المعتبَرين بيننا كانوا يصرّون على متابعة أوضاع بعض أعضائنا التلامذة، ولا سيّما واجباتهم المدرسيّة. وأثارنا حثّهم بعضَ مَنْ أبدوا تراجعًا على أن يجتهدوا في إصلاح تراجعهم. ورأينا هذا يطلب من ذاك أن يساعد أخًا في ما وضح أنّه ضعيف فيه (وبعضهم كان يعرض نفسَهُ من دون طلب). لَمْ نفهم لِمَ على النهضويّ أن يقلقه هذا الأمر الذي بدا لنا، يومئذٍ، من النوافل. وأتانا توضيحًا أنّ "النجاح، في أيّ أمر نفعله، نوع من أنواع الشهادة لله، مُجِّدَ اسمُهُ". وما زال صوت الموضِح يصيح بنا عاليًا: "يجب أن يعرف كلّ إنسان، يحيا على هذه البسيطة، أنّ كنيسة يسوع المسيح الإله المتجسّد لا تحتمل أن يفشل أيّ أعضائها في أيّ شيء يفيده في الأرض".
ثمّ زادنا ربُّ الأيّام فهمَ أنّ هذا من شأن كلّ "عائلة" يأخذ أعضاءَها ودٌّ عظيم. أن يريدك أبوك أو أمّك أو إخوتك ناجحًا في هذه الحياة الدنيا، على غير مستوى راضٍ، لهو أن يريدك، أيضًا (أو قَبْلاً!)، كلّ مَنْ تؤمن بأنّ مسيح الله قد آخاك معهم. وهناك، في ذلك الماضي البعيد، كان بعض الآهالي، إن تراجع أحد أولادهم الملتزمين في دروسه مثلاً، يعيّرونه بكنيسته! كانوا يضعون الحقّ كلّه على ما يبذله من وقت في خدمتها (إن كان فاعلاً حقًّا فيها، أو كان التزامه أعرج!). وإن قلتُ ذلك الماضي البعيد، فلا أقطع الخطايا عن زمان حاضر (ولا أفعال البرّ أيضًا). فما أثارني إلى كتابة هذه السطور العجلة تعييرٌ جديدٌ ناله أحد الإخوة منذ أيّام. لا، ليس للخطأ حدّ زمنيّ. تحيا الأزمنة كما لو أنّها تجترّ خطاياها!
لا أريد أن أتباهى بماضٍ أمورٌ كثيرة، تلفح عينينا، تدلّ على أنّه لم يمضِ. غير أنّي أودّ أن أذكر، حبًّا بِمَنْ يليق به المجد وحده، أنّ منطقتنا، التي كان معظم أهلها فقراء مدقعين، لم تعرف شبابًا أرثوذكسيّين أنهوا سنوات دراستهم، وتخرّجوا في الجامعات، كما عرفت في ذلك الحين. لم يكن هذا خوفًا من تعييرٍ مُرٍّ لم يجفّ حبري على ذكره، بل صدًّا لكلّ كسل لا يليق بمؤمن أن يُنعَت به، بل اللغة النهضويّة التي أرست أنّنا كلّنا واحد. وليس أمامي، لا سيّما في هذا الموضوع القديم الجديد، مثلُ هذا الإرساء قدوةً نقتدي بها أبدًا. ليس أمامي سوى رجاء أن نبقى جميعُنا على وعي أنّ النهضة لا تتعالى على كلّ ما ربّما نحسبه من هذا العالم. لا تتعالى، ولا يمكن أن ترتضي أن ننسى، لحظةً، أنّ ما يرضي الله، في هذه الحياة، هو أن نبذل المحبّة بألوانها طرًّا!
أن تحبّ أحدًا، لهو أن تريده عظيمًا في كلّ ما يحييه، ويبنيه. ولا أعدّ نفسي متطرِّفًا إن أوضحت: أن تريده أعظم منك في كلّ شيء، أجل في كلّ شيء. فالمحبّة الحقّ أن تسعى، دائمًا وأبدًا، إلى أن تعظِّم مَنْ عظّمهم مسيح الله ببذله دمه الطاهر عنهم وعنك. وهذا لا يجوز أن يكون لفظيًّا فحسب. هذا يفترض أن تسكن إلى الإخوة جميعًا، إلى جَمالاتهم ومصاعبهم وضعفاتهم وآلامهم وكلّ ما يقلقهم في الأرض، وتتعهدّهم كما نفسك وأكثر. ففي المسيح يسوع، بتنا جسدًا واحدًا. في المسيح، عاد مصيرٌ واحدٌ يجمعنا. فرحك فرحي. دموعك دموعي. حالي معك ما دعانا إليه رسول الأمم بقوله: "إفرحوا مع الفرحين، وابكوا مع الباكين" (رومية 12: 15)، أي حالي أن أتعهّد حياةَ كلّ إنسان في إيقاعاتها، واقعها ومداها.
هذا يعني أنّ كلّ وعي يسقط سقوطًا عظيمًا إن لم يتضمّن أنّ الحياة في المسيح تفترض أن ننزل إلى "جحيم" كلّ إنسان، لنرفعه إلى فوق. في العادة، لا يفشل الإنسان الطبيعيّ عفوًا. ومن دون أن أرى نفسي ملزمًا أن أستعرض أسباب فشل البشر هنا، يكفيني أن نقوم جميعنا إلى أنّ الفشل لا يحلّه أن نعطيه أظهرنا، أن نتعاطاه كما لو أنّه لا يخصّنا نحن، كما لو أنّ مَنْ فشل آخر! هذا يخالف إيماننا بأنّ الله، "الذي يعمل فينا الإرادة والعمل في سبيل رضاه" (فيلبّي 2: 13)، إنّما باقٍ يريد أن يعمل فينا، بل باقٍ يعمل فينا. ليس من إيماننا أن نقبل بفشل أحد، أيّ أحد. هذا، إن قبلناه، يهين أنّنا واحد، أي يهين أنّ الصفة الرئيسة، التي نَعَتَ الربّ الناهض تلاميذه بها، أنّهم "إخوة" (متّى 28: 10؛ يوحنّا 20: 17).
عندما مَنَّ علينا الله بأن نسعى إلى أن ننهض من نومٍ مُرّ، أرادنا أن نفهم أن ليس بعد ما وهبنا إيّاه الفصح أيّ شيء. وأمّا الفصح، فتسليمٌ واعٍ بأنّ الربّ الناهض من بين الأموات قد أنهضنا جميعنا معه (وأنهضنا بعضنا إلى بعض أيضًا). كلّ خدمة، تطلب إحياء أخ، إنّما هي من بركات وعي الفصح الذي ليس مثله وعي. النهضويّون قوم يكرهون الموت في وجهه كافّةً (البعد والضعف والجهل والفشل وما إليها). وهذا، الذي يفترض أن يكون سلوكنا العامّ، هو ما يُبعد الفصح عن أن يكون حدثًا من ماضٍ بعيد، أو أنشودةً ينتهي أريجها بانتهاء العيد. فكيف نسعى إلى أن يكون الفصح قائمًا فينا وفي نجاح كلّ أخ لنا في دراسته (وفي حياته المهنيّة والعائليّة وكلّ ما يبنيه في الله)؟ المسيح قام، لنبقى في انتصار دائم، ويعرف القاصي والداني أنّنا إخوة جمعتنا محبّة مَنْ نراه "شهيًّا بجملته" (نشيد الأناشيد 5: 16).