من الوجوه الغالية على قلوب كثيرة، وجه امرأة شيخة كانت تعيش، في حيّ فقير، في منزلها الوضيع. وكانت وحيدة، لا زوج لها ولا أولاد. وكان الدهر قد أفقرها كثيرًا. ولكنّ غناها كان يطفح من دماثتها ومحبّتها. وكانت أمًّا لكثيرين.
كانت قد تعوّدت، كلّ أسبوع، زيارة بعض شباب وصبايا محبّين لله يحملون معهم بعض مال جمّعوه، أو أتاهم لبركات العضد، وأغراضًا متنوّعة كانوا يقدّرون حاجتها إليها. وكانت هي تعرف موعدهم الثابت. وقبل أن يقرعوا بابها، كانت تنتصب، بقامتها الطويلة، وتطلّ من باب بيتها الأرضيّ، لتستقبلهم بفرح لافت وأدعية صادقة. وكانوا هم قد تعوّدوا أيضًا، في كلّ زيارة يخصّونها بها، أن يركنوا إلى حديثها المختبر الله وحلاوة عشرته. وكم كان يخجلهم أنّها كانت تُتعب نفسَها بتحضير ضيافة لهم.
كان يدهشهم كرمها. وهذا كانوا يذوقونه أيضًا في كلّ مناسباتهم الخاصّة. فهي ما كانت تترك مناسبة إلاّ وتستغلّها لتبيّن لهم كلّ محبّة وشكر. وكانوا يشعرون بأنّ بعض تقدماتهم يعود إليهم مغلّفًا بحبّ!
ومن كان منهم يترك مكان إقامته ليقطن في حيّ آخر، كان يحجّ إليها كمن إلى أمّه.
ثمّ مرضت كثيرًا، فتعهّدوا تطبيبها والعناية بها. وكانت هي تشعرهم بأنّها قويّة، سليمة، لتخفّف عنهم التعب وصرف المال. ما كانت تستثقل. كانوا يعنون لها.
كلّهم فكّروا، يوم دفنها، في أنّها كانت قدّيسة، لا لأنّهم رأوا النور يلفّ وجهها الذي استعاد نضارته في لحدها. ولكن لأنّهم كانوا يختبرون عناية الله بهم بفضل أدعية كانت ترفعها من أجلهم. وهم، إلى الآن، يؤمنون بأنّها ما زالت تفعل.