كانت تطلب منه كلّما رأته أن يصلّي لها. وكان يَطَلّه هذا الطلب، ويشجّعها على أن تصلّي، وتصلّي له.
هو كان يعرف أنّ المؤمنين يحيون بالله وبعضهم بمساندة بعض. ولكنّه فهم، بعد فترة وجيزة، أنّ حاجتها إلى الصلاة كانت ملحّة. فإنّ مرضًا خبيثًا كان قد أخذ يفتك في جسدها الطريّ، وأنّها تشعر بأنّ رحيلها قد اقترب. فجاور طلبها قلبه، وأخذ يذكر اسمها على مذبح الربّ.
كان يحزنه أن يراها تتألّم، ويعزّيه أنّها تصارع المرض بدعاء موصول ورجاء لا ينقطع. ولم يطل المرتقب، وما كانت تحسب حدوثه، حدث، وسقطت في غيبوبة مطبقة.
لم يكذّب الأطباء الخبر، وسلّموها إلى رحمة الله.
بعد مرور أيّام قليلة على غيبوبتها، اتّصل به ذووها، وطلبوا منه أن يأتيها بجسد الربّ ودمه. لم يستطع أن يرفض طلبهم. هو كان يعرف أنّ المناولة تعطى لمن له القدرة على تقبّلها. ولكنّه ترك معرفته جانبًا، ولم يكلّمهم على الأمر. رعاهم، لأنّه شعر بأنّ الحقيقة ستزيد على جرحهم جرحًا.
ساق نفسه إلى موضعها. ولمّا وصل، وجد كثيرين مجتمعين حولها وهم يبكون، وهي ممدّدة على سريرها لا تتحرّك، أو تتواصل. فصلّى، وصلّوا. ولمّا أدنى الملعقة المقدّسة من فمها، طبّقت شفتيها عليها بقوّة. فذهل، وفهم أنّ من قالوا له إنّها غير واعية، ولا تستطيع أن تشرب نقطة ماء واحدة، عجزت عن أن تقاوم ماء الحياة، أو "اغتصبه" فمُها.
قالوا كثيرًا، وسألوا، وتساءلوا. أمّا هو فوثق بأنّ من كانت نجيّة الله ولصيقة الكأس المقدّسة، في حياتها، لم تشأ أن تذهب من دون أن تحمل معها زاد النجاة!