أهلاً بك، يا ربّ، بعيد مولدك. فتعال، نحن بانتظارك.
لقد سألتُكَ، في رسالة أولى، إن كان يمكنك أن تؤجّل مجيئك في تلك السنة. أعتذر منك. وأسألك، اليوم، أن تأتي. أنت سيّد قراراتك. فأنت لا يمكن ألاّ تأتي. وأرجوك اليوم، بإلحاح كبير، أن تفعل.
أرجوك أن تأتي خصوصًا إلى لبنان، هذا البلد الصغير الأبيض، والصائر بقعة للموت الأحمر.
لن تجد أوضاعنا اختلفت كثيرًا عن الزمان الذي أتيت فيه أوّلاً.
أتذكر، لمّا أتيت أوّلاً، كيف ظنّ الحاكم العاتي، هيرودس، أنّك ستخلعه عن كرسيّه. خاف. خاف على كرسيّه. فأرسل، و"قتل كلّ طفل في بيت لحم وجميع أراضيها، من ابن سنتين فما دون"، وحسبه أن يميتك أنت. والموت، في لبنان، كثير. وإن كان ثمّة من فرق بين ما جرى يوم مجيئك الأوّل وبين ما يجري اليوم، فهو أنّ الناس، صغارًا وكبارًا، يموتون، في هذه الأيّام، قبل أن تأتي.
الناس يموتون. يموتون في الليل والنهار. يُقتلون عمدًا! والقاتلون لا يحسبون أنّهم يتعدّون عليك. المجرم لا يعنيه سرُّ حضورك. لا يفهمه. لا يريد أن يفهمه. وما هو أنكى أنّ بعض المعتبَرين أقوياء، في الأرض، أخذوا يتكلّمون باسمك. يتّكلون عليك، ليهدّدوا، ويتجبّروا، ويقيموا حروبهم! لا، لا يقصدون أن يميتوك، أكرّر. هم يحسبونك من صفّهم. صدّق! هم لا يفهمون أنّك إله لا يَقتل، بل يموت، يموت طوعًا. وربّما لا يريدون أن يفهموا.
لستُ أعرف إن كان الناس، في بلدنا، سيزيّنون لك، هذه السنة، الطرقات والبيوت. هذا أمر، أعرف، أنّك لا تعبأ به. فهل يمكنك، إن لم يفعلوا، ألاّ تعتبر تصرّفهم تقصيرًا.
الناس، في لبنان، يحبّونك.
سأحدّد أكثر: المهدّدون، والمظلومون، والخائفون، والجائعون، والحزانى، والذين تطأهم أقدام من يستحبّون الكفر على الإيمان، كلّهم، وكلّ من يشبههم، يحبّونك، وينتظرونك.
تعال. أنت تحبّ الناس جميعًا، ولا سيّما الذين ينزفون من شدّة الظلم، وتخنقهم العَبْرة. وهؤلاء، هذه السنة، هم زينة العيد. هؤلاء هم الأشجار والضوء والمغاور.
تعال قبل أن يرحلوا. أسفوا. تعبوا. قلقوا. يئسوا. ويريدون أن يرحلوا. فتعال، قد يغيّرون رأيهم، ويبقون. العالم يغريهم. وهم، بمعظمهم، لا يعرفون أنّ الأرض كلّها منبت خطايا. يظنّون أنّهم، إذا رحلوا، سيرتاحون من بلد مرعب. والعالم كلّه مرعب. الرعب سيّد الأرض. فتعال، ليبقوا، وتبقى.
البلد جنون. والناس جنون. فتعال خصوصًا إلينا.
أنت تحبّ العمل. أنت ما زلت تعمل. ونحن أرض خصبة، خصبة جدًّا. لن نجعلك ترتاح. أنت لا تحبّ أن ترتاح. ونحن سنحقّق لك ما أنت تحبّه. سنتعبك كثيرًا. لن نتركك تختلي بذاتك، أو تستلقي تحت شجرة، أو تنام في سفينة. لن نترك لك، لحظة واحدة، لتفكّر، أو تعيد حساباتك. سنتبعك في حلّك وترحالك. سنحاصرك. تعال، فـ"أنت مَلِكُنا قبل الدهور". وأمام قدميك، سنضع شكوانا وأوجاعنا كلّها. وشكوانا وأوجاعنا كثيرة. أنت تعرف. منذ أن تأتي، وأنت في مهدك، سنحمل إليك ما يصيبنا وما يتربّص بنا. إنّها هدايانا لك في يوم مولدك. ليس عندنا جميعًا ما قدّمه لك مجوس الأرض. الناس يقدّمون ما يملكونه. وما بات معظمنا يملكه، فسنقدّمه لك.
فتعال. لا تتأخّر.
تعال إلينا، وعلّمنا معنى أن تأتي إلينا.
علّم من يخصّونك أوّلاً، شبابًا وكهولاً وشيوخًا، من يعلمون منهم، ومن يحسبون أنّهم أولو العلم. علّمنا جميعًا أنّك أنت، وحدك، "سلامنا". الناس، في الأرض، لهم تحديداتهم للسلام. والكثيرون لا يفقهون أنّ السلام هو شخص، شخصك. لقد رتّل الملائكة يوم مولدك أنِ: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، وفي أناسٍ المسرّة"، وردّدنا هذه الترتيلة أجيالاً وأجيالاً. وثمّة مَنْ لم يفهم أنّ السماء تقصدك أنت. لم نفهم أنّ مجد الله وسلامه ومسرّته بات، هنا، بيننا وفينا.
تعال. تعال إلى لبنان، ليعود إليه لونه الأبيض. تعال، لنعود جميعنا إليك. تعال، لنولد فيك. فقط، تعال.