يا ربّ، هل يمكنك أن تؤجّل مجيئك هذه السنة؟
لقد أعددت أجيالاً لسنين طويلة قبل أن تأتي إلينا. وأتيت، ورفُضْت، ونبذت، وصلبت.
فهل يمكنك تأجيل مجيئك، وتعتمد النهج عينه، وتعدّ البشريّة من جديد، علّهم يفهمون غلطتهم القديمة، غلطتنا، وينتظرونك أنت، كما تريد أنت.
الناس، يا ربّ، تهمّهم الأعياد. وبالأحرى لا تهمّهم. يهمّهم أن يفرحوا هم. ويأكلوا هم. ويشربوا. ويقضوا الليل ساهرين. وأن يرتدوا، وأولادهم، ثيابًا جديدة. فالعيد، عيدهم، بات مظهرة. بات حدثًا اجتماعيًّا.
معظم الناس يجهلون، لا بل يكرهون ماذا تريد أنت من مجيئك. قد يعرف بعضهم. الناس ليس جميعهم جهلة. ولكنّهم يميّعون ما يعرفونه بتفضيلهم أنفسهم وحاجاتهم عليك.
أنت أتيت، ليأتوا هم إليك. ولكنّهم يستعملون مجيئك، ليفرحوا بأنفسهم وبعضهم ببعض. لا يهمّهم أن تفرح أنت. يعتبرون، أو معظمهم، الأعياد متنفَّسًا، ليخفّفوا من قلقهم وتوتّرهم. ولا يعلمون أنّهم لا يدخلونها، ولكنّهم يلجون عتمات أخرى، ويزيدون على قلقهم قلقًا آخر.
لا يأتون إليك، لأنّهم، إذا أتوا، سيكتشفون ما لا يرغبون فيه. أنت. آسف أن أقول لك ما تعرفه: أنت لست مرغوبًا فيه. [quote font_style="normal" font_size="16" align="left"] لا يأتون إليك، لأنّهم، إذا أتوا، سيكتشفون ما لا يرغبون فيه. أنت. آسف أن أقول لك ما تعرفه: أنت لست مرغوبًا فيه.[/quote]
ما زال الناس يعدّون لك مغاور. ويعتقدون، بصدق، أنّك ستزورهم فيها؟! أنت قلت منذ القديم إنّك تريد القلوب. ولدت في مغارة، لتولد في تواضع أحبّائك. ولكنّهم لم يقتنعوا بما فعلت. بقوا على حالهم. هم يكرهون تواضعك. أرجو ألاّ تزعجك حقيقة ما تعرف. فهم، في تصرّفاتهم، يثبتون ذلك. ولعلّ حجّتهم أنّهم يرون المتواضعين ممسوخين في مجتمع الأقوياء. يفضّلون أن يكونوا مقتدرين، ولو لم يكونوا جميعهم على هذه الحال. فالتواضع هاوية. سجن. ولذلك يعتقد الناس أنّ الحرّيّة تتنافى ومنطق تواضعك. لا يفهمون أنّهم، إذا أتوا إليك، يتحرّرون. هذا قلته أنت، وتعرفه أنت وبعض المسحوقين. ولكنّ الكثيرين يأبون معرفته. فتمتّع في مغاور الناس، لأنّ القلوب الملهاة عنك عجزت، وهرمت.
هل استطعت أن تعرف أنّ الناس يُحيون ذكرى عيدك في المطاعم. نعم في المطاعم. في المطاعم يُعدّ لعيدك. والناس يذهبون إليها أفواجًا. ويسهرون حتّى مطلع الفجر. يشربون الخمور، ويغنّون، ويرقصون. افرح، فالناس فرحون.
أنت تعرف أنّ الوثنيّين كانوا هكذا يعيّدون لآلهتهم، أو لشهواتهم. لم يتغيّر الحال. لكنّك بتّ أنت الموضوع. هذا انتصار لك. لقد تغلّبت على الوثنيّة، ولو أنّك لم تتغلّب على معظم الناس.
آه لو رأيت الطرقات. أشجارًا مزيّنة. أنوارًا. ومغاور. يزيّن الناس الخارج، ويتركون دواخلهم تنهشها الظلمات. وماذا أقول، يبذلون أموالهم عبثًا. ويظنّون أنّ هذا طلبك.
آه لو تعلم (وأنت أكثر من يعلم) بأحوال الفقراء، أحبّائك. لا أحد يفكّر فيهم. أنت أوصيت ألاّ يهملوا، وأنّك فيهم، وأنّهم أنت. لم يصدّق الكثيرون، اعتقدوا أنّك تمزح. فهل من المعقول أن يصدّق الناس إلهًا جبّارًا مثلك أنّه وحّد ذاته بالفقراء؟ لا تنجرح، فللناس قناعاتهم، وأنت أدرى بها. أنت خلقتهم أحرارًا. هذه مشيئتك. كان الأولى بك أن تبقيهم، تبقينا، عبيدًا، وتريح نفسك من عناء محاولة تغييرهم، تغييرنا.
فنمْ قرير العين، لا أحد بانتظارك. لا، آسف، هناك قلّة عزيزة، ستوافيك صباحًا في خدمة العيد، في الكنيسةِ مكانِ مولدك الحقيقيّ. لا أعدك بأن يكون جميعهم صاحين. لكنّ القلّة ستأتي. أنا أعلم أنّك تفرح بالقلّة، فافرح. وحاول، إن استطعت، معها أن تجدّد العالم.
أعيّدك بمولدك. لا أعلم إن كنت ستقبل نصيحتي، وتؤجّل مجيئك هذه السنة. أنا واثق بأنّك لن تفعل. وأنّك لن تغيّر عادتك. لك منّي كلّ محبّة.