في مطلع الحرب في لبنان، اقتادني مسلّحون من بيتنا إلى مركزٍ لهم. كنتُ دون سنّ الرشد. استفزّهم أنّني صرختُ في وجهِ رفاقٍ لهم حضروا إلى حيّنا قبلهم، واعتقلوا جارنا ثمّ أبي. جرّوني أمامهم، وأدخلوني غرفةً كان فيها ضابط وراء مكتب. خدمني أنّني كنتُ أبدو أصغر ممّا أنا عليه. سألني الضابط عن صراخي على رجاله. أجبتُهُ: "الرجال الأقوياء مثلكم لا يُضعفون أنفسَهم باستصغار الآباء الأبرياء أمام أولادهم". فلتت من وجهه علامة تعجّب! طلب أن أكشف توجّهي السياسيّ. قلتُ له: "الذي عندكم، أبي، أمرني أن أبتعد عن التحزّب". خرجتُ بخير. بعد ساعة، عاد أبي. الحرب بشعة. أيّ حرب بشعة. لكن، أن يكون فيها أشخاص يقبلون أن تنتقدهم بل أن ترفضهم في وجههم، هذا خيرٌ يغلب أيّ حرب!