أوقفه على الطريق رجلان كان يرى أحدهما في الشركة الكبيرة التي يعمل فيها. وكان، في تلك الليلة، راجعًا من أحد اجتماعات كنيسته، ويحمل معه كتابه المقدّس ودفترًا كان يسجّل عليه كلّ جديد يتعلّمه. فبادره زميله في العمل قائلاً: أرى معك كتابًا مقدّسًا، فهل أنت تهتمّ لله وبكلمته؟ وأردف: إنّ صديقي، هذا الذي يرافقني، أستاذ في تفسير الكتب المقدّسة!
لم يحتج الشابّ إلى كثير من الوقت حتّى يكتشف أنّ محدّثَيْه عضوان في بدعة "شهود يهوه"، وأنّ نيّتهما، في هذا الليل، اقتناص طريدة جديدة. ولكن، ما لم يكن في حسبانهما أنّ من كان أمامهما مختلف عن أترابه الذين أغواهم المبتدعون في غير جيل. فقد كان قائمًا في النور ومتمرّسًا بتراث كنيسته الحيّ.
لا نخفي أنّه حاول، في البدء، أن يتجنّب مجادلتهما، لأنّه كان يأتمر بقول الرسول الذي أوصى ألاّ يجادل المؤمن رجلاً مبتدعًا (طيطس 3: 10). ولكنّه عاد واضطرّ إلى ذلك. وقدر على أن يصدّهما بحجج دامغة، كانت كلّها من الكتاب المقدّس الذي كان يحمله بيده. فأصحاب البدع لا يجادلون من خارج الكتاب. هم، في الواقع، لا يطلبون معنى الكتاب وحقيقته الخلاصيّة، ولكنّهم يسقطون عليه انحرافاتهم وأفكارهم الوخيمة.
ولمّا ضاقت بالرجلين سبل النقاش، وفقدا كلّ حجّة، وعداه بأن يلاقياه مرّة ثانية. ورجعا خائبين. وأمّا هو فعاد إلى بيته شاكرًا لله أنّه كان ابنًا لكنيسته، وأنّه رضع من ثدييها حليب المعرفة الحقّ.