نزح إلى المدينة بغية إيجاد عمل له. واستطاع أن يحصل على وظيفة في مؤسّسة كبيرة، كان يديرها إنسان تعبق به رائحة المسيح. فاهتمّ مديره شخصيًّا له وبأموره. وكان يقلّه، يوميًّا، معه في سيّارته إلى مقرّ عملهما. وتقدّم الشابّ في العمل، وتحسّن وضعه، وامتلك سيّارة خاصّة. ولكنّه لم يستفد من أخلاق مديره. بل على العكس، صار يغترّ بنفسه، ويكابر، ويرفض أن يساعد غيره.
في صباح أحد الأيّام، بينما كان المدير ذاهبًا إلى عمله، رأى موظّفًا آخر يعمل في شركته عينها ينتظر سيّارة أجرة. وكان هذا الموظّف يقيم في بيت قريب من بيت ذاك. فأوقف سيّارته، وعرض عليه أن يقلّه معه.
في الطريق، سأله المدير: أليس منزل زميلك قريبًا من منزلك؟ أجابه: بلى. فسأله مجدّدًا: فلماذا، إذًا، لا تتّفقان على موعد واحد، وتأتي معه في سيّارته؟ أجابه: سألته، ورفض.
انزعج المدير ممّا سمعه، ولكنّه لم يعلّق على الأمر. ولمّا وصلا، أرسل المدير بطلب الموظّف المقصود، ووبّخه على تصرّفه بقوله: لقد اهتممت بك شخصيًّا، وأعنتك بأمور كثيرة. وكنت أرجو أن تقتدي بما فعلته معك. وأضاف: أنا يعنيني جدًّا أنّ يكون كلّ موظّف، في هذه المؤسّسة، إنسانًا قبل أيّ أمر آخر. الجهد يعنيني، والإنتاج، والإخلاص في العمل أيضًا. ولكنّ هذه كلّها يبطل حسنها إن فقد أحدنا إنسانيّته. فإن كان يصعب عليك أن تكون إنسانًا سويًّا، فأطلب منك أن تقدّم استقالتك من العمل فورًا!
صعق هذا الكلام الموظّف، ووبّخ نفسه علنًا، ووعد مديره بأن يعمل ما يرضيه. فأجابه مديره: أنا لا يهمّني أن ترضيني، ولكن أن توافق خير الله الذي فيك!