لقد مُسحت، في معموديّتك، بمسحة الروح، على عينيك لتراني، وفمِك لتكلّمني، وأذنيك لتسمعني، وصدرك لتضمّني إليك، ويديك لترتاحا في يديّ، ورجليك لتمشي إليّ.
ليس في الحياة المسيحيّة من مكانٍ لتقدير ذاتي. فأنا لا يشرِّع لي أمرٌ، أيُّ أمر، وإن كنتُ أُحسب فاعلاً في الجماعة الكنسيّة، أن أعتبر نفسي شيئًا في عيني نفسي. فأنا، فيما دعوتي أن أرى الله الكلّ، يجب أن أرى كلّ الآخرين على جَمال قائم أو جَمال ممكن، وأبادر، بتلقائيّة مطلقة، إلى إعلائهم فوق كلّ اعتبار.
هذا كلّه يفترض أن ألزم إيماني بأنّ الله قد وهبني ما لا أستحقّه، أي أن أؤمن بأنّني أحيا بالنعمة التي تعني أنّ الله قد خصّني، مجّانًا، بما يدعم وجودي فاعلاً في جماعة الإخوة. "وبنعمة الله ما أنا عليه" (1كورنثوس 15: 10)، تعني، أو يجب أن تعني لي، أن أرمي نفسي على وجوه إخوتي جميعًا فقيرًا إلى محبّتهم ودعمهم، ليكونوا ثابتين في كلّ ما يرضي ربّنا يسوع. فكلّ المسيحيّة، كلّها على الإطلاق، أن أبيّن أنّني فقير إلى وجوهٍ أعرف، أو هذا ما يجب أن يكون حالي، أنّ نعمة الله تدعوها، دائمًا، إلى أن "تضيء ضياء النيّرات في الكون" (فيلبّي 2: 15). فأنا لا شيء، قناعة يجب أن تنسكب، في عمق أعماقي، أنّك أنت كلّ شيء.
أن أحيا في كنيسة الله، أمر لا يقوم على سوى "أنا لا شيء، وأنت كلّ شيء"، ولا يمكن أن يقوم. ولا يحتمل ما أحاول أن أذكّر نفسي به أيّ استثناء. فأنت، أيًّا تكن، كبيرًا أو صغيرًا، قريبًا أو بعيدًا، جميلاً أو بشعًا، فهيمًا أو جاهلاً، ثابتًا أو تعرج بين الجانبين، شخص أحبّك مسيح الله حبًّا لا يوصف. وأنا، أيًّا أكن، ليس لي في ما عداك خير. أنا فقير إلى ما خصّك الربّ به، أأدركته أنت حقًّا، أم جعلته على هامش حياتك. أنا لا شيء، أي أنا إنسان أعلم أنّك، محبوبًا، دفع الربّ دمه من أجل أن تقوم أبدًا. وأنا لا شيء، أي أنا أعلم ما فيَّ من ضعفٍ يقهرني، ضعفٍ لم أُعطَ أن أتفحّصه فيك. أنت سرّك أجهله. وأنا سرّي مفضوح. وأنّى لي أن أكون في عيني نفسي أفضل منك؟ أنّى لي أن أعلو عليك، ولقد قدّرتك نعمة ربّي تقديرًا عظيمًا؟
قربك جنّتي. ويفرحني أن تدرك أنّك قريب. وهذا شأني الثابت معك إن كنتُ أرجو أن يكون لي شأنٌ في عيني الله. فأنا، على ضعفي المقلق وخطاياي الكثيرة، يعنيني أن تدرك، إن كنت لا تدرك، ما أدركك المسيح من أجله. أنا أسير النعمة التي تقدّرك. أسيرها في ما أراها تأمرني به. لقد أقنعتني نعمة الله بأنّني، فقيرًا، أحتاج إليك كثيرًا. لن أتركك تسألني شيئًا. سأحاول أن أرى ما بك، وأقدّم لك ما ينفعك، وتاليًا أن أستدرّ منك ما ينفعني. هذا ليس تدخّلاً في ما لا يعنيني. فأنت كلّك تعنيني. ويعنيني أن أغدو أعنيك. أكشف لك سرّي، ولا يعيبني أن أغدو مكشوفًا. يعيبني أن أزدري بك. بك أو بالنعمة التي تزيّنك، ما من فَرق. يعيبني أن أمرّ قربك، وأمرّن عضلات عينيَّ بالنظر إليك من أعلى رأسك حتّى أخمص قدميك. يعيبني أن أفعل كما لو أنّك لا شيء. أن أبعدك عنّي كما لو أنّك حشرة لا تُقارب. أن أستحبّ نفسي عليك.
أنت، قريبًا، تساعدني على كلّ ما يغنيني. ثروتي أنت. أنا غاية في التفه من دونك، في التفه والفقر الممرّر. لا، أنا لا أبحث عن أن أستعطفك بفقري، ولا أبتغي أن استغلّك. أنا أعترف، أمامك، بما تمثّله من قيمة عندي. وهذا اعتراف يقودني إليه عطف الله الذي أعلمني مَنْ تكون، أو أُريد لك أن تكونه. فالربّ أرادك عزيزًا على قلبي. بما أمطرك من نعم، أرادك. هذا أوحيت به قَبْلاً. وتوضيحًا لِما قلتُهُ، يعنيني أن تعرف أنّني معك، أنت تحديدًا، أقدر على أن أكتشف كلّ ما لا أستطيع معرفته من دونك. تصوّر قيمتك! تصوّر حاجتي إليك! إن كنت أقنعتك بأنّني لا شيء، فلن أغيّر أنّني لا شيء. ليس بحثي أن أغدو شيئًا في عيني نفسي أو في عينيك. كلّ بحثي أن تبقى أنت كلّ شيء. هذا ما يجعلني غنيًّا. هذا فحسب.
هذه الدنيا المريضة، التي حضارتها الثابتة أن تعزلني عنك، أنا لا أريدها بتاتًا. أنت دنياي وحدك. قربك مدينتي الجديدة التي "الله مهندسها وبانيها". لا تنظر إلى عيوبي. إن عرفتها، وثقتي بأنّك ستعرفها بسهولة، فلا تجعلها تعوقنا عن أن نلتقي، معًا، وجهًا بوجه. عيوبي قد تبيدها قرباك، وبسرعة أيضًا. لا أريد أن أجرحك إن قلت لك أنْ ليس لنا، أنا وأنت، من حياة إن لم نوافق الخير بلقاء يجمعنا دائمًا. أنا اللاشيء أريدك، دائمًا، أن تكون شيئًا. فأنت شيء، أنت كلّ شيء، حيًّا ومحيًا، لا سيّما إن ذكرت النعمة التي قد أعطيتها، لتذكر، ما أعطاك ربّك أن تحيا، أنّك لستَ وحدك. لقد مُسحت، في معموديّتك، بمسحة الروح على عينيك، لتراني، وفمك، لتكلّمني، وأذنيك، لتسمعني، وصدرك، لتضمّني إليك، ويديك، لترتاحا في يديّ، ورجليك، لتمشي إليَّ. هذه مشيئة النعمة التي أعطيناها، "لنشفى، في كلّ حين، من أمراضنا"، أي النعمة التي انتدبتنا جميعًا إلى خدمة بعضنا بعضًا، لنكون معًا، ونجتهد، ما حيينا، وعلى فرادة كلٍّ منّا، في أن نبقى معًا.
ربّما كنت تنتظر، بذكري مسحة الروح، أن أقول لك إنّك أُعطيتَها من أجل أن تكون واحدًا مع الله. وهذا صحيح. وما قلتُهُ صحيح. فنحن لا يمكن أن نكون واحدًا مع الله إن لم نقبل أنّنا واحد أيضًا. هذا إيماننا الذي أحاول أن أبسطه بكلمات بسيطة. أبسطه من أجلك ومن أجلي. لتذكر، وأذكر. فإنّما الحياة في أن نأتمر بأمر الله الذي أوجدنا، لننوجد في معيّة، إن لم نقطعها في الأرض، فلن تنقطع في السماء.
إن وافقتني، فهنيئًا لقلبي. تساعدني موافقتك. تساعدني كثيرًا. تساعدني على أن أوافق دعوتي، فأرجو أن يرضى عنّي الله الذي ربّما، بفضل موافقتك، يراني قد رأيته فيك، ويجعلني شيئًا.