من صفات الربّ المخلِّصة أنّه المحيي. ثمّة أمثلة عديدة، في العهد الجديد، تكشف لنا أنّ الربّ أحيا بشرًا ماتوا، ومنها: إقامة ابن امرأة نائين (لوقا 7: 11- 17)، وإقامة ابنة يائيرس (لوقا 8: 40- 56)، وإقامة لعازر (يوحنّا 11: 1- 45).
أيّ مسيحيّ، يعرف الكتب المقدّسة، يمكنه أن يدرك أنّ هذه الأحداث، التي تبيّن قدرة الربّ على إقامة الموتى، إنّما تدلّ على أنّنا بتنا في زمان مسيّا، أي في زمان الله الأخير (أنظر مثلاً: إشعيا 26: 19). وفي الواقع، لم يخفِ الربّ هذه الدلالة المنجّية التي تحكم معنى زمان الأنبياء، وتختمه فيه. إذ ردّ على تلاميذ يوحنّا (المعمدان)، الذين أرسلهم معلّمهم ليسألوا الربّ يسوع إن كان هو "الآتي أو ننتظر آخر"، بقوله: "اذهبوا فأخبروا يوحنّا بما تسمعون وترون: العميان يبصرون والعرج يمشون مشيًا سويًّا، البرص يبرأون والصمّ يسمعون، الموتى يقومون والفقراء يبشّرون" (متّى 11: 2- 5). بلى، لم يقم الربّ، قَبْلَ قيامته، جميع موتى زمانه. لكنّنا مدعوّون إلى أن نعتقد أنّه، بما فعله، "حقّق القيامة العامّة"، كما ننشد في عيد إقامة لعازر. هذا يجب أن يعني لنا أنّ ما أتمّه السيّد مع سوانا يعنينا نحن أيضًا. إذ ليس من حدث محيٍ يخصّ فردًا وحده، وإن انطبق، مثلاً، على واحد أو على مجموعة. الربّ هو المحيي، بمعنى أنّه فتح لنا جميعًا، بما قاله وفعله، درب ملكوته الأخير. نحن، منذ الآن، بتنا في سرّ ملكه الذي ليس فيه مرض وحزن وموت. وهذا نفهمه بإيماننا به فحسب. فالمؤمن، من دون سواه، يمكنه أن يدرك ما أدركه المسيح من أجله، أي أن يعتقد أنّه هو، أيضًا، ابن أرملة نائين وابنة يائيرس ولعازر الذين منحهم الربّ عطيّة حبّه شخصيًّا.
يعرف المؤمنون الملتزمون أنّ هذه الأحداث، التي تخبر عن إقامة موتى أتمّها الربّ، هي أحداث مشهورة. ومعنى "مشهورة" أنّ الحدثين الأول والثاني يُقرأان في يومي أحد، والثالث في يوم عيد لعازر. ولكنّ ما يجب أن نعرفه كلّنا أنّ ما تكشفه هذه الأحداث لا ينحصر بخبر إقامة تلك الشخصيّات الثلاث، بل يتعدّاه إلى أمر لا تكمل معجزة من دونه. فإذا قرأنا النصوص في موقعها، لا يفوتنا أنّ الربّ، دائمًا، يجري شيئًا بعد أن يتمّم معجزاته، شيئًا يشبه الوصيّة الدائمة، أو هو هكذا فعلاً. وهذا، الذي يحضّنا الربّ على أن ننتبه له، تفقد المعجزة، إن أهملناه، بعدًا من أبعادها الأساسيّة. فلنستعدْ، سريعًا، ما جرى في نهاية خبر هذه المعجزات.
من دون أن نطوف طويلاً بما جرى، يكفي أن نعرف أنّ الربّ، بعد أن أقام ابن أرملة نائين، "سلّمه إلى أمّه". وبعد أن أقام ابنة يائيرس، "أمر بأن تُطعم" (وفق رواية لوقا). وبعد أن أمر لعازر بأن يخرج من القبر، وخرج "مشدود اليدين والرجلين بالعصائب، ملفوف الوجه في منديل"، قال يسوع: "حلّوه ودعوه يذهب". وهذه أشياء لها دلالاتها المحيية. الشيء الأوّل، يعني أنّ الربّ ينتظر أن يحيا المؤمن الحيّ في رعاية أحبّائه، أو كنيسته، كما فهم بعض المفسّرين لفظة "أمّه" في هذا الخبر. والشيء الثاني، يعني أنّ الربّ ينتظر أن تبيّن الفتاة (وكلُّ واحد منّا)، في حياتها العاديّة، أنّها حيّة بالله. والشيء الثالث، أنّ الربّ يريدنا أن نرمي عنّا كلّ المناديل، أو الأكفان، التي تستر أنّنا أحياء. هذا كلّه يعني أنّ ما ينتظره الربّ من الذين آمنوا بأنّه الإله الحيّ، ولمسوا حياته حقًّا، أن يحيوا على أنّهم "أحياء قاموا من بين الأموات" (رومية 6: 13). إذ ليست المعجزة سوى أن تكون حياتنا، بتفصيلها وتفاصيلها، توافق المعجزة التي أتمّها يسوع من أجلنا، أي تكون معجزةً دائمًا.
أن نؤمن بأنّ الربّ هو المحيي، هو أن نحيا على إيمانه ما حيينا، لنبيّن حقًّا أنّنا أعضاء في ملكوت هو المعجزة التي ما بعدها معجزة.