حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - مركز جبل لبنان
فرع فرن الشبّاك، ٢٤ تشرين الأوّل ٢٠٠٣
الحديث عن "الخدمة الحركيّة في الرعيّة" يتطلّب تدقيقًا خاصًّا. ثمّة أمور عديدة (بعضها إيجابيّ وبعضها سلبيّ)، وأفكار ومواقف لا تأخذ في الاعتبار، دائمًا، رؤية الكنيسة إلى شعب الله الواحد ودوره في الخدمة والشهادة، تجعل مقاربة هذا الموضوع لا تخلو من بعض صعوبات. ولذلك لا بدّ، في بدء هذا الحديث، من إبراز ما أراه يبدّد كلّ صعوبة، أي أنّ الحركة، في أدبها وسلوكها، لم ترَ ثنائيّة بينها وبين الكنيسة. إنّها ليست فئة أو نخبة أو ضيفًا على الجماعة، بل إنّها، في جوهرها، "من الكنيسة وفيها".
هذا يعني أنّ الجماعة الحركيّة، (ودائمًا تعني، في حديثنا، الإخوة في الفرع الواحد)، هم أعضاء في الكنيسة. ميزتهم، إذا كانوا يفهمون، أنّهم أدركوا أنّهم معمّدون، أي أنّ تكليفهم الأساس تمّ، أو حدث، في جرن المعموديّة التي نسبتهم إلى الجماعة التي يعيشون في شركة معها. وسرّ الجماعة أنّها جماعة مواهبيّة، أي أنّ الله زرع في كلّ معمّد ما يجعله حجرًا حيًّا في بناء الله. والحجر يستند إلى الحجر حتّى يرتفع البناء. وكلّ الأحجار رأسها حجر الزاوية الذي هو المسيح. ومعنى هذا، بتفصيل سريع، أنّ كلّ عضو ملتزم يرتبط، في آن، بالمسيح وبأعضاء الجماعة كلّها. ولذلك ليس من التزام صحيح لا يأتي من هذا الارتباط في بُعديه العموديّ والأفقيّ. وحسبي أنّكم لا تجهلون أنّ الرؤية التي دفعت إلى وجود الحركة، أو من أسباب وجودها، أنّ الناس قديمًا كانوا يتجاوزون هذا الرباط المقدّس. قالت الحركة قولها. والقول ليس اختراعًا جديدًا. إنّه قول المسيح الذي كشفه العهد الجديد، وعاش ببركاته أبرار التاريخ.
ثمّ إنّ هذا الوعي، أي وعي المعموديّة، الذي هو جوهر ما تفعله الحركة أو تذكّر به، يفترض، ممّا يفترض، أن يعرف المؤمنون أنّ وجودهم، في حياة الكنيسة، هو وجود فاعل. فالمعمّد لا يليق به أن يكتفي بأن يتذكّر معموديّته تذكّرًا سلبيًّا، أي يعرفه وكفى، بل يجب أن يقيمه تذكره خادمًا في الجماعة.
من هنا، إذا أتينا إلى عنوان حديثنا (الخدمة الحركيّة: إطلالة على الرعيّة)، أجد أنّ حقّ الله علينا أن نعي التزامنا أوّلاً. فالكلام على الخدمة يفترض كلامًا على الالتزام أوّلاً. وهذا سببه أنّ العمل، الذي ينتجه الحماس أو سدّ الحاجة أو أيّ أمر آخر، لا يكون من تكليف الله ما لم يراعِ الأسس التي عليها تقوم الجماعة. والخدمة تكليف. ولذلك لا يجوز، مثلاً، أن نكلّف أحدًا أيّ مسؤوليّة، ولو كان يلتزم اجتماعات فرقته، إن لم يتبنَّ أسس الالتزام، أي الاشتراك في الخدمة الإلهيّة والتزام صلوات الكنيسة وأصوامها، ولا سيّما قراءة الكتب المقدّسة وما تفترضه من معرفة وثقافة وشهادة حيّة. شرطُ حملِ المسؤوليّة أن نلاحظ التزامه ومدى جدّيّته ومثابرته. ولا أضيف شيئًا إلى شهادة الكنيسة وخبرتها إن قلت إنّ كلّ التزام لا يقوم على المحبّة إنّما هو باطل. فالمحبّة لله وللإخوة والناس جميعًا هي الأساس التي تجعلنا مطمئنّين إلى أنّ كلّ خدمة تقام في الجماعة هدفها مجد الله. مَن لا يحبّ الله وجميع الناس، إن عمل عملاً ما، بتكليف أو من دون تكليف، إنّما يطلب مجد نفسه. وهذا يعطّل الشهادة التي هي طلب الله وهدف كلّ خدمة.
إن أردنا الخدمة في الرعيّة، فماذا نطلب؟ كلّنا نعرف أنّ لكلّ رعيّة كاهنها. والكهنة مسؤولون أمام الله وأسقفهم والجماعة التي يخدمونها. لا أريد أن أتبسّط في علاقة الكهنة بالحركة أو الحركيّين (على أهمّيّة الكلام على هذه العلاقة). فما يهمّني، من ذكرهم الآن، هو موقعهم الحيويّ. أجل، أذكرهم، لأؤكّد أنّ العمل، في أيّ رعيّة، يفترض نجاحه أن يراعي المسؤوليّات الموجودة، أي أن نؤمن بوجودها، ونتفاعل معها، ليوافق كلّ ما نعمله نظام المسيح. ويعنيني أن أذكّر، بسرعة، بأنّ الكاهن أب في الجماعة، ومن الواجب أن يحترم أبوّته المؤمنون جميعًا، وأوّلهم الحركيّون. وهذا يمنعنا من أن نتجاهله، أي أن نضعه على هامش وجودنا. إنّه أبونا. والأب يكرَّم، ويُركن إليه في غير وقت. ولا بدّ من التذكير، تاليًا، بأنّ الحركة تشجب كلّ توتّر ممكن أن يحصل في الرعيّة، ولا سيّما بين الكهنة وأعضائها. وإذا حدث، تكره أن يستمرّ خوفًا من مخالفة روح السلام وتعثّر الشهادة. وهذا يفترض أن يذكر الكهنة جميعًا أنّ العمل في الرعيّة لا يقوم على بعض (هم أو سواهم)، وتاليًا أن يفرحوا بكلّ ما ينشئ شكرًا لله الذي شاءت عزّته أن يكون أعضاء كنيسته مترابطين جميعًا على قاعدة أنّ كلّ واحد جميل ومفيد، ولا يمكن الاستغناء عنه.
أمّا إذا أتينا إلى واقع الخدمة الحركيّة، فأرى أنّنا من الواجب أن نميّز، بدءًا، بين العمل التقليديّ الذي تعتمده الفروع، ومنه اجتماعات الفرق والنشاطات التي تقيمها في حدود بناء كنيسة الرعيّة، وما تفترضه الخدمة من مشاركة في العمل الرعويّ الكامل الذي يتجاوز حدود جدران الكنيسة، ليطال الناس الذين ينتمون إلى الرعيّة في مواقعهم. وهذا لا يمكن تنفيذه من دون نظام وترتيب، وتاليًا من دون تمييز المواهب. فالخدمة تفرض علينا أن نطلق الواعين إلى أن يشهدوا للربّ في العالم كلّه، أي أن لا نحصرهم بقاعات هم يؤمنون بأنّها من دون جدران وسقف. ولا أقول أن نطلقهم من دون تكليف، بل، فيما نتبنّى النظام والترتيب، أن ننتظم في أنّ الله يبثّ وعيه، لنمدّه إلى حيث يجب أن يصل.
هذا الكلام يفترض بعض تفصيل. لقد ذكرنا، في حديثنا، الفرق الحركيّة. وهذه مطرح من مطارح الخدمة العالية التي تلزمنا أن نعتني فيها كثيرًا جدًّا، وعلى غير صعيد (صعيد التعليم ورعاية الأعضاء وما إليهما). لن أتكلّم، في هذه العجلة، على ما يحدث في فرقنا. فكلّنا خبراء في ما يجري، وفي ما يجب أن يجري. غير أنّ ما علينا أن نلتزمه جميعًا عن وعي أنّنا لا نستطيع أن نتكلّم على خدمة الشهادة إن لم نرتّب بيتنا أوّلاً. فشرط الإضاءة أمام الناس أن نضيء في البيت. ومن صميم هذا الشرط، علينا أن نذكر شيئين. أوّلهما أن تكون فرقنا، دائمًا، قادرة على أن تبني أعضاءها، ليعوا التزامهم وتكليفهم. وثانيهما أن نسعى، باستمرار، إلى أن ندعو أشخاصًا جددًا. ومعلوم أنّ عملنا لا يقتصر على فئة من دون أخرى. فمعظم فروعنا تضمّ فرقًا للأطفال والاستعدايّين والثانويّين، والجامعيّين، والعمّال، وغيرها. وهذا، من حيث هو عمل جماعيّ، يفترض أن يعي كلّ عضوّ واعٍ أنّه معنيّ بالعمل كلّه. فالعضو الحركيّ لا يلتزم فرقته فحسب (أي اجتماعاتها ويدعو إليها فقط)، بل كلّ الناس بما يوافق مدى العمل القائم، أو الذي يجب أن يقوم، أي يدعو الطفل إلى أسرة الطفولة، والفتى إلى أسرة الاستعداديّين أو الثانويّين، والشابّ (أو الصبيّة) إلى أسرة الجامعيّين أو العمّال، أي يدعو الجميع. وهذا، واقعيًّا، يفترض أن يحفظ غيبًا مواعيد اجتماعات الأسر جميعها، ويكلّم عليها الجميع، كبارًا وصغارًا، ويحثّهم على الانخراط فيها. فلا يكفي أن يلتزم العضو فرقته، هذا بعض المطلوب، بل يجب أن يحمل الناس جميعًا، إن أمكن، إلى برّ الالتزام.
هنا، يعنيني أن أعرّج على الأنشطة التي نقيمها. وهذه هدفها أن تساعدنا على العمل الجماعيّ، وعلى الشهادة لله. ولست بهذا أستبعد أن تكون الأنشطة لربح المال. لكنّ جمْع المال ليس هدفًا من أهدافنا. المال وسيلة لخدمة ما نعمله شهادةً للربّ. فالخدمة تفترض مالاً. كلّ وجوه الخدمة، وليس معونة الفقراء فحسب. ولذلك لن تكون الأنشطة، التي نعتمدها، هادفة ما لم نعِ أنّ المال، الذي نطلبه منها، هو لمصاريف الخدمة. ولن تكون هادفة، أيضًا، ما لم نتعهّدها كلّنا. فلنأخذ، مثلاً، رحلة نقيمها، أو معرضًا، أو أيّ نشاط آخر يفترض مشاركة الناس. ماذا ينفعنا هذا النشاط أو ذاك إذا لم نتعهّده جميعنا، أي إذا لم نشارك فيه أيضًا؟ قد نربح قليلاً من المال. ولكنّنا لن نربح حضورنا بين الناس، وتاليًا ما نرجوه من تأثير فيهم. إذا نظّمنا معرضًا، وجاء الناس وبعناهم الأغراض المعروضة، وما كان أحد (غير المكلّفين أن يبيعوا) حاضرًا ليحدّث المشاركين، ويظهر لهم حلاوة الالتزام، نكون قد ربحنا المال، وخسرنا نعمة الشهادة الحسنة. ولذلك لا يمكننا تنظيم أيّ نشاط لربح المال فقط. والمال قد يأتينا بوفرة إذا كانت شهادتنا واضحة. هناك الكثيرون، ممَّن يرغبون في التبرّع، ينتظرون أن يحرّكهم مَن يحبّون الربّ، أو أن تحرّكهم الشهادة لمجده. وهذا يعني أنّ الأنشطة موئل للشهادة قبل أن تكون موئلاً للتجارة. نحن لسنا تجّارًا. هذه ليست مهنتنا. نحن شهود للمسيح. ويعني، أيضًا، أنّ حاجتنا إلى المال مسؤوليّة الجماعة كلّها. نحن لا نقوم بأعمالنا الشخصيّة، بل بعمل المسيح. وهناك مَن يرغب في أن يدعم هذا العمل بمشاركته، وهناك مَن يرغب في دعمه بماله. المهمّ أن نعرف كيف نقيم الأنشطة، وتكون أهدافها واضحة. المهمّ أن لا نلهو، بأنشطة أو من دون أنشطة، عن تكليف المسيح. الحركة لم يؤسّسها الروح، لأنّ الكنيسة تقوم على الأنشطة، بل على نشاطه الأخويّ. وهذا ما يجب أن نضعه نصب أعيننا، دائمًا، قبل كلّ عمل.
أمّا الوعي الكامل، ففي فهم أنّ الحركيّين جماعة مكرّسون لله. وهذا يعني أنّهم جاهزون لتقديم كلّ خدمة. نحن لا يمكننا أن نجمّد أنفسنا وأعمالنا التي تعوّدناها. الكنيسة حيّة. وقد تبتكر أمورًا ترى أنّها، في هذا الوقت، ضروريّة لتذكير الناس الذين اعتمدوا البعد أو الاكتفاء بالمشاهدة، وحثّهم على المصالحة. لن أكلّمكم على دراسة الموسيقى الكنسيّة والترتيل وتأليف الجوقات. فهذه وجه من وجوه الخدم الممارسة والمعروفة. لكن، إذا جاز لي قول في هذا السياق، فأرى أنّ الفرع الحركيّ لا يمكنه أن "يتفرّج" في حال كانت الرعيّة بحاجة إلى مرتّلين. هذا من تكليفه إن كانت لبعض أعضائه القدرة على أداء الترتيل، والجدّيّة على دراسة علومه. ويجب أن تكون لهم القدرة، لأنّ للحركة رؤيتها للخدمة الإلهيّة ومشاركة المؤمنين فيها. قد نطمئنّ، في بعض الأحيان، إذا كان عندنا بعض المرتّلين الجيّدين. ولكنّنا قلّما نفكّر في الغد. وإذا طرأ طارئ، وغيّر الوضع، قليلاً ما نعتقد أنّ هذه الخدمة تخصّنا. باعتقادي أنّ أداء الوجه التسبيحيّ ليس مدرجًا درسه في برامجنا. هذا لا يعني أنّ الفرق لا تدرس الخدم أو الصلوات الجماعيّة. ولا أعرف، مثلاً، لماذا لا نعلّم الأطفال أصول الترتيل. قد نعلّمهم بعض الأناشيد أو التراتيل الأسبوعيّة أو الموسميّة. ولكنّنا لا نخصّص فرق الأطفال بتأليف جوقة مثلاً. وهذا أمر ضرورته وعينا متطلّبات اليوم والغد. ولا تجهلون أنّ الخدمة الإلهيّة المؤدّاة حسنًا تجذب المؤمنين إلى التزام المشاركة في الخدمة، وتساعدهم على تسبيح الله بفرح والارتقاء إليه. وهذان معًا هدف كلّ خدمة. وهذا من مقتضيات عملنا الواجب.
قلت إنّ التكريس يعني أن نكون جاهزين للخدمة، وأن نتجاوب، بطريقة حسنة، مع كلّ ما ترى الكنيسة أنّه نافع ويبني. هذا، مثلاً، يحضّني على أن أذكر نشرة "رعيّتي" (التي تصدرها أبرشيّتنا) وتوزيعها. "رعيّتي" ابتكار جديد. وهذه ولّدت نشرات مماثلة في أبرشيّات أخرى. الحمد لله، نقول. ولكنّ فروعنا جميعها قرّرت أن تتجاوب مع رغبة المسؤولين عن هذه النشرة في أن نوزّعها على منازل المؤمنين، فماذا حصل بقرارنا؟ طبعًا، أفلحنا هنا كثيرًا، وهناك قليلاً، وفي بعض الأماكن لم أهملنا كلّيًّا ما قرّرناه. لست أدّعي أنّ تنفيذ هذه الخدمة يمكن أن يحصل من دون توضيح ما يتضمّنه هذا التوزيع من معنى. فهل قبلنا المعنى؟ عندما قلنا إنّنا سنوزّع، عنينا أنّ هذه الخدمة تعطينا أن ننقل نشرة تعليميّة إلى بيوت الناس. فالناس جائعون إلى الكلمة الإلهيّة، وليس جميعهم "أنقياء" من أفكار البدع والشيع الكثيرة التي تهاجمنا في منازلنا وعلى الطرقات. وفكّرنا في أنّ هذا النقل يمكّننا من زيارة الناس والسؤال عنهم. وقد يكون أحدهم مريضًا أو محزونًا أو مسرورًا، نعرف أحوالهم، وربّما لا يكون الكهنة على علم بأمورهم أو بما طرأ عليهم، فنخبرهم، ليتمّوا زيارتهم. ولا تعلمون كم تكون زيارة الكاهن، لمريض أو محزون أو مسرور، مفيدة ومعزّية. وساعدنا هذا العمل على إعلام الناس، بأوراق نضمّها طيًّا، عن أخبارنا ونشاطاتنا. ولم نمنع أنفسنا من اعتمادها للدعوة. والناس، الذين زرناهم، أحبّ بعضهم هذا التحرّك، ولم يستحسنوا النشرة فحسب، بل حملَها إليهم أيضًا. وكم غبّط بعضهم هذا الحمل. وكم أفرحهم. لن أتكلّم، هنا، على الإيجابيّات فقط. فثمّة سلبيّات لا يجوز إغفالها، منها أنّ هناك بعضًا من الناس لا يقرأونها، أو لا يستقبلون الموزّعين... لكن، مَن يقول إنّنا نعامل الناس على حسب ما يستحقّون. هذا كلام أهل الشارع. نحن نؤمن بأنّ المسيح أحبّنا ومات عنّا من دون أن نستحقّ، وهذا ما يجب أن نعكسه على كلّ تصرّف أو عمل نقوم به. وعلينا أن نذكر، دائمًا، أنّ المحبّة هي تكليفنا ونهجنا وعملنا. فالناس، إن خدمناهم وأحببناهم، ينتفعون، ويذكرون الله. وإن أهملناهم أو عاملناهم بطريقة لا يرضى عنها ربّنا، لن نكون متعالين أو كسالى فقط، بل قد تؤخذ منّا نعمة الخدمة. ولذلك، أرى أنّ من واجبنا أن نظهر جدّيّة وجوهزيّة عاليتين في عملنا، اي أن نتكاتف لتنفيذ كلّ أمر نرى أنّه نافع، وننفّذه بما يليق بالله.
الأمر الأخير، الذي أودّ أن أبحثه معكم اليوم، يطال وضع الناس في مواقعهم، لنكتشف ما يعنيه وعينا الكامل لخدمتنا. من المعروف عمومًا أنّ نسبة الذين يأتون إلى الكنيسة ويلتزمون صلاتها، ولا سيّما قدّاس يوم الأحد، لا تتعدّى الـ10 في المئة من عدد مؤمني الرعيّة. فما هو رأينا في هذا الأمر؟ أو هل ثمّة ما يمكن أن نعمله لتحسين هذا الوضع؟ طبعًا، لا يمكننا أن نكتفي بوصف الأزمة، أيّ أزمة نراها في جياتنا الكنسيّة. وما قلناه إلى الآن، يمكنه أن يُسهم في حلّ هذه الأزمة، ولو قليلاً. لكنّ الوضع يحتاج إلى تضافر جهودنا جميعًا. وهذا يعوزه أن نعرف أنّ الخدمة الرعائيّة، التي يعتمدها الكهنة اليوم، لا يمكنها، وحدها، أنّ تقدّم حلاًّ لهذه الأزمة يرضي. فالكاهن يعمل تقريبًا كلّ شيء، وما من كاهن واحد يمكنه برمجة عمله اليوميّ. كلّ يوم يأتيه بما سيعمله. هذه حالنا لا سيّما في المدن. وأمام هذا الوضع، هناك بعض الأمور المتداولة التي يرى إخوة لنا أنّها قد تُسهم في الحلّ. منها أن يكون إلى جانب الكاهن المحلّي كاهن أو أكثر، وأن يكون لكلّ رعيّة شمّاسها أو أكثر من شمّاس. ومنها أن تقسّم الرعايا الكبيرة إلى رعايا عدّة، وأن يكون لكلّ رعيّة كاهن يخدمها. هذه بعض الأمور التي دونها صعوبات عدّة. وليست الصعوبة الوحيدة أن يسأل بعض من أين سنأتي بكهنة عديدين، وبشمامسة عديدين. وكيف سيتوّزع المؤمنون إذا قسّمنا الرعايا، وهل يقبلون، مثلاً، أن يتخلّوا عن الكنائس التقليديّة، وأن يلتقوا بقاعات كبيرة ليمارسوا صلواتهم الجماعيّة واجتماعاتهم (كما جاء في أحد الحلول). أمّا السؤال الذي يمكن أن يُطرَح على هذه الحلول، فهو أنّها لم تلحظ دور العلمانيّين للمساهمة في الحلّ. اللَّهمّ إلاّ إذا اعتبرنا أنّها افترضت أنّ بعضهم سيتكرّس في الكهنوت بحسب منطق الأمثلة التي جاءت في اقتراح الحلول. ولكن، أليس للعلمانيّين من دور آخر؟ ألا نعتقد أنّهم، في مواقعهم، يمكنهم أن يُسهموا في الحل؟ وإذا كان من الممكن، فماذا يعملون؟
أوّلاً ليس من تحقيق ممكن، لأيّ من هذه الاقتراحات وغيرها، لا يراعي وجود أناس مؤمنين قادرين ومستعدّين لأن يُسهموا في الحلّ. الحلّ يبدأ بالعمل على زيادة وعي الواعين وجدّيّتهم. والوعي والجدّية دعمهما الالتزام الكامل والمعرفة والقدرة على التعبير عن إيماننا على أفضل ما يكون. تذكرون أنّ الرسل، عندما رأوا أنّ عدد المؤمنين قد كثر وأنّ بعضهم كان محتاجًا إلى الخدمة اليوميّة، قالوا لا يجوز أن نهمل خدمة الكلمة، فأقاموا سبعة شمامسة لخدمة محدّدة. هذا مثل يمكن اعتماده. أي، إذا ازداد عدد الواعين، كما وصفناهم، يجب أن نكلّف بعضهم خدمًا محدّدة. وباعتقادي أنّهم يمكنهم أن يقوموا، مثلاً، بزيارة الناس في منازلهم. إذا كان الناس لا يأتون، فمن الممكن أن نذهب نحن إليهم (أو يجب أن نذهب نحن إليهم). ولا أعتقد أنّهم سيستهجنون زيارة أعضاء من كنيستهم، أو سيرفضونها. ويمكننا أن ننظّم سهرات للصلاة والتعليم في المنازل، يقودها مؤمنون قادرون، مع الكهنة أحيانًا، ومن دون الكهنة إن كانت عندهم أعمال أخرى. ويمكننا، تاليًا، وضع خارطة لأحياء الرعيّة، وإيجاد عدد من المؤمنين القادرين على الشهادة، ووضع برنامج موحّد للعمل، وتكليف كلّ مؤمن بحيّ من هذه الأحياء، يزورهم، ويسأل عنهم، ويقيم بعض الأنشطة لهم، ويقدّم تقريرًا شهريًّا للكاهن يخبره فيه عمّا فعله، وعن وضع الناس، مثلاً إن كان هناك مريض يقول له ليزوره، إلخ… على أن تناقش كلّ هذه الأعمال في اجتماع يرأسه الكاهن، ويضم كلّ المكلّفين. وهناك أمثلة يمكن أن تزاد إذا رضينا أن ننظر، بعناية وواقعيّة، على وضع رعايانا، ورأينا إلى دور مرجوّ للعلمانيّين، دور شاء الله أن يقوموا به لمّا ولدهم جديدًا في معموديّتهم.
هذه بعض أفكار. ربّما ليس فيها شيء جديد. وهل الجدّة الدائمة في سوى اعتناق أنّنا، يوم ولدنا جديدًا، جعلنا الربّ جميعًا مسؤولين بعضنا عن بعض؟