3يونيو

الإنجيل دفترًا

       زار صديق صديقه في منزله. فأتتهما خادمة صاحب البيت، وهي سيّدة وقورة من سيريلانكا، بفنجاني قهوة، وخرجت. فقال المضيف لزائره: هذه الخادمة نعمة من الله. أشعر بأنّ الله يباركني وعائلتي بوجودها. فهي لا تنفكّ تصلّي، في أوقات العمل، أو الراحة. إنّ غرفتها تعجّ بصور القدّيسين. وما يدهشني كثيرًا فيها، أنّها، عندما علمت بمجيئها إلى لبنان، ظنّت بأنّ بلدنا يمنع إدخال الكتب أو الأغراض المسيحيّة، فنقلت العهد الجديد كلّه، بلغتها، إلى دفتر، وحملته معها. وهي تقرأ فيه يوميًّا.

       صعق هذا الخبر الزائر، وقال: امرأة تكتب العهد الجديد، بجملته، على دفتر لتقرأ فيه، ونحن، بمعظمنا، لا نقرأ شيئًا، وبعض شعبنا لا يملك إنجيلاً يخصّه! ثمّ أردف: لقد ذكّرتني هذه السيّدة الخادمة بما كان يفعله أجدادنا قديمًا قبل أن تدخل الطباعة بلادنا. إذ كان كلّ من يحسن القراءة والكتابة ينسخ إنجيله بخطّ يده، وبعضهم كان ينسخه لغيره. وتابع: هذه السيّدة من مجاهدات الزمان الغابر.

       مرّ يومان على هذه الزيارة. فقصد الرجل، الذي كان ضيفًا على صديقه، كاهنًا من معارفه، وكان يدير أحد دور الراحة للمسنّين. وبعد سلام وكلام، قال له الكاهن: لقد توفّي أمس الأوّل كاهن كان نازلاً في هذه الدار، وترك مكتبته لمؤسّستنا. فهل تريد رؤيتها؟ أجابه زائره: بالتأكيد. ولمّا دخلا الغرفة، التي كانت المكتبة موضوعة فيها، وجد الزائر كتابًا سميكًا، لم يحسن قراءة الحروف الموجودة على غلافه. فسأل الكاهن: ما هذه اللغة، وهذا الكتاب؟ قال له: إنّه كتاب مقدّس باللغة السيريلانكيّة. لم يصدّق الزائر ما سمعته أذناه، وقال له بتأثّر ظاهر: إنّ لهذا الكتاب صاحبة. قال له الكاهن: ماذا قلت؟ فأخبره قصّة الفتاة الخادمة التي نقلت العهد الجديد إلى دفتر. فقال: إنّه لها. وفي اليوم ذاته سلّمها الرجل ما أوجده الله، في لبنان، من أجلها!

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content