كنتُ هناك. وسمعتُهُ يناديني! أنتم لم تسمعوه. أمّا أنا، فبلى! نحن العميان قادرون على التقاط الصوت، أحيانًا، قَبْلَ أن تُطلقه الحناجر! وتبعتُ الصوت! هذا نورُنا إلى مَنْ ينادوننا. وسمعتُ بعضًا يسألون مَنْ ناداني عنّي. وردّ عنّي أنّني وريث الخطيئة! ثمّ أخذ يكلّمهم على عمله في النهار. وقال: "ما دمتُ في العالم، فأنا نور العالم". وفتنّني ما وصل إلى أذنيَّ. ثمّ سمعتُ تفلةً. وعقبتها يدان لمستا عينيَّ بطين. لم أكن أنا هناك، ولا كنتم أنتم. هناك، أي يوم خلقَ اللهُ الإنسانَ الأوّل. لكنّني، هنا، شعرتُ كما لو أنّني كنتُ هناك. وخاطبني مَنْ لمسني. قال لي أن أذهب، لأغتسل في "بركة سلوام". وأطعتُ ما سمعتُهُ. وها أنا أبصر!
لم أكن أعرف أنّ خروجي إلى الضوء سيجعل عالمي جنونًا. أوّلاً، حار الناس في أمري. ثمّ جيراني، الذين رأيتُهم، وكنتُ أعرفهم من أصواتهم، لم يستقبلوني جميعهم كما يجب. بعضهم عرفوني. وبعضهم قالوا إنّني آخر يشبهني. رددتُ. قلتُ: "إنّي أنا هو". وبدأت مجادلات حسبتُ أنّها لن تنتهي. "كيف انفتحت عيناك"، سألوني. قلتُ يسوع. وأخبرتُهم بكلّ ما جرى لي. سألوني: أين هو؟ أجبتُ بالصدق. قلتُ: "لا أعلم". ثمّ اصطحبوني إلى الفرّيسيّين. وأعاد هؤلاء عليَّ السؤال. وأعدتُ عليهم ما قلتُهُ إنّما من دون أن أذكر اسم مَنْ شفاني. حفظتُهُ، أمامهم، لنفسي! تمّ شفائي يوم سبت. فقال بعضهم إنّ: "هذا الإنسان ليس من الله، لأنّه لا يحفظ السبت". وآخرون قالوا: "كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟". "فوقع بينهم شقاق". ثمّ سألوني ماذا أقول أنا عنه من حيث إنّه فتح عينيَّ. لم أَخَفْ، ولم أُخْفِ. أجبتهم جهارًا: "إنّه نبيّ". لم يصدّق اليهود عنّي أنّني كنتُ أعمى، فأبصرت. فدعوا أبويَّ، وسألوهما عنّي. عرفاني. لكنّهما لم يعرفا كيف شفيت. وتركاني بين أيديهم خوفًا من أن يُحرَما العضويّة في مجمعهم.
ما هذا الذي يحدث حولي؟ لِمَ، مذ بتُّ أرى، بتُّ وحدي؟ كلّهم تخلّوا عنّي، كلّهم حتّى أمّي وأبي! يا لهذا العالم الذي أخذتُ أراه! يا له من عالم أعمى! لا يرى، ولا يسمع، ولا يريد أحدًا أن يسمع، ويرى!
ماذا يريد هؤلاء الناس منّي؟ كيف يصدّقون؟ قلتُ لهم إنّ رجلاً التقى بي على طريق لم أرَها من قَبْلُ. كلّ ما أعرفه عنه، (إلى اسمه)، يداه اللتان لمستاني، وصوته الذي أمرني بأن أذهب، واغتسل. هل يمكن أن يعرف أعمى رجلاً آخر بوسائل لا أعرفها؟ أمرهم مضحك فعلاً! كان عليهم أن يصدّقوا. فأنا بتُّ أراهم لا يرون! والأعمى سبل تواصله معروفة؟ يبدو أنّهم يفوقون ما كنتُ عليه! لو كانوا فاقدي البصر، لكان عليهم أن يسمعوني، ويصدّقوني. كلّ ما يفعلونه أنّهم يضجّون حولي، ويقودونني كما لو إلى محاكمة. هل أغضبهم شفائي، أو أنّه تمّ في السبت؟ ماذا فعلوا بأمّي وأبي حتّى أنكراني؟ الجيران؟ أفهم! الناس كلّهم؟ أفهم! أمّا أمّي وأبي، فهذا ما يصعب عليَّ فهمه! هل يريدون الرجل الذي شفاني، ليصدّقوا؟ أنا لا أعرف أين هو. كلّ ما أردتهم أن يعرفوه قلتُهُ: يديه وصوته! ما زال صوته يرنّ في أذنيّ؟ وأنا، لي خبرة كلّ عميان الأرض، يمكنني أن أردّد ما قاله حرفيًّا، وتقريبًا صوته! هل يكرهون أن يتكلّم أحد باسمه؟ يا لحقدهم! حسنًا، الكلّ تخلّى عنّي. وأنا، أنا وحدي، سأدافع عن شفائي! هاتوا ما عندكم!
قالوا لي: "أعطِ مجدًا لله! فإنّا نعلم أنّ هذا الإنسان خاطئ". خاطئ! كلّموني على ما أعلمه. "أنا أعلم شيئًا واحدًا أنّني كنت أعمى، والآن أنا أبصر". فقالوا لي أيضًا: "ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينيك؟".
ماذا يريد هؤلاء منّي بعدُ؟ كلّمتهم، ولم يسمعوا. لماذا يريدونني أن أعيد عليهم ما جرى؟ انتهى! لن أعيد! لا يستأهلون. يتزلّفون كما لو أنّهم تلاميذ لم يحفظوا ما رُدِّدَ على مسامعهم. هل أظلمهم؟ هل يريدون أن يكونوا له تلاميذ؟ أنا أريد! أنا بتُّ مذ لمسني، وأمرني، وأطعتُهُ. هل يريدون أيضًا؟ فلأسألهم: "ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟". يا لهذه الكلمات التي لفظتُها! شتموني. وقالوا لي إنّني "تلميذ ذاك. أمّا هم، فإنّهم تلاميذ موسى"! موسى؟ أيّ موسى؟ ثمّ أخذوا يتفاصحون عليَّ بأنّهم يعلمون أنّ الله كلّم موسى. وأمّا مَنْ شفاني، فلا يعلمون من أين هو؟ عجبًا! كيف لا يعلمون وقد فتح عينيَّ. هو مَنْ فتح عينيَّ؟ هذا هو مَنْ هو! ماذا يريدون أن يعرفوا عنه بعد؟ هل سمعوا أنّ أحدًا فتح عيني مولد أعمى؟ هذا لم يحدث منذ الدهر. نحن الذين وُلدنا عميانًا، لو حدث، لعرفنا! هل من دليل، يفوق هذا الدليل، على أنّ الله معه؟ لو كانوا تلاميذ موسى، لعرفوا! هم قرأوا عليَّ، في مجمعهم، أنّ موسى قال: "يقيم لك الربّ إلهك نبيًّا مثلي من وسطك، من إخوتك، فله تسمعون" (تثنية الاشتراع 18: 15). قَبْلَ أن يذكروا موسى، قلت لهم إنّه نبيّ؟ لقد فتح عينيَّ. هذا مَنْ أنبأ عنه موسى. أمّا هم، فأبوا أن يسمعوا!
أنا عدتُ لا أريدكم. لا تقولوا إنّني "ولدتُ في الخطايا". ولا تتعبوا أنفسكم بإخراجي من مجمعكم. أنتم كذبة. لقد جذبني إليه أنّه ردّ عنّي أنّني وريث الخطيئة. أنا أصدّق مَنْ شفاني. إنّه هو مجمعي!
أمّا مَنْ شفاني، فكان يعلم بكلّ ما جرى لي. إنّه المبصر وحده! وجدني. إن قلتُ إنّني كنتُ أنتظره، فلا أقول غير الحقّ. أساسًا، منذ أن لمسني، بات معي! جاءني. وكشف لي نفسه. واعترفتُ له بأنّني "أؤمن بأنّه ابن الله. وسجدتُ له". بات كلّ نصيبي، بل أمّي وأبي، بل ربّي الذي ولدني جديدًا يوم كلّمني، وأمرني بأن أغتسل. هذا هو. وهذا أنا. جمعني إليه، حتّى غدا نور دنياي وحده (يوحنّا 9: 1- 41)!