"المسيحيّة دين الوجوه"
(أوليفييه كليمان)
هذه الحركة، حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، التي علّمتنا أنّ الناس وجوههم، أهدتنا، أيضًا، أنّ الوجه لا يغلبه شيء. بلى، الناس يموتون. ولكنّهم، على موتهم، يحافظون على وجوههم.
أين تُحفظ الوجوه؟
قالت: في وجه مسيح الله الحيّ والمحيي!
ما الذي دعاني إلى وضع هذه السطور؟
دعتني الوجوه التي، على كونها نصبت لها خيمةً بعيدة، بقيت تقتدر على القلب والعينين! تقتدر، أي تقيم. دعاني وجه إيلي الحاجّ عبيد الذي أعدّته يد الله في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، ووزّعته هدايا تشبه تلك التي ينتظرها الأطفال في يوم العيد، بل أغلى. أغلى على غير صعيد، ولا سيّما صعيد المفاجأة.
كيف لإنسان، كلّما رأيته، أن يفاجئك بأمر؟
بأيّ أمر؟
بأمور.
مثلاً، بأن يذكّرك بأنّ الفضيلة شخص.
دائمًا، دائمًا!
هل ثمّة أغلى من هذه الهديّة؟
مثلاً، بأن يرمي عليك أنّ الفضيلة لا تنتقل بجودة الكلام حصرًا، أو بالعصا أو بالسيف بتاتًا، بل بجودة الشخص دائمًا، بجودة الشخص الذي ارتضى أن يقيم فيه روح الله الحيّ.
هل أخفّف من قيمة الكلمات التي نؤمن بأنّها تحيينا؟
لا، بل أرى إليها من جهة أخرى، جهة لا يمكن أن يفهمها سوى أولئك الذين اعتقادهم راسخ أنّ شأن الكلمة أن تتجسّد دائمًا، أي أرى إليها من جهةٍ ما بعدها جهة، وما سواها جهة!
لا أدين، بل أسأل: لِمَ يفاجئك بعض إخوة بخيرهم، ويصدمك آخرون بعيبهم؟
هذا، في سياقٍ يذكّر بِمَن غاب عن عينينا فجأةً، سؤال لا يُسأل، سؤال يبدو غبيًّا، غبيًّا جدًّا. فأنت الذي تعلك الرذيلة، أي أنت المعتبَر واحدًا من أولئك الموصوفين بأنّهم يقبلون أن يكون الشيطان في أفواههم وعلى آذان سواهم، أو في أفواه سواهم وعلى آذانهم، أي أنت المنخرط في مجتمع تفه يثرثر، إن تعرّفت إلى إيلي الحاجّ عبيد، فلا بدّ، إن أردت أن تنصف قلبك، من أن تسأل نفسك: كيف لإنسان، على وعيه الشديد، تراه، أمام تفه الرذائل، لا يتزحزح عن لطفه؟ كيف لإنسان، مثله، يبدو، أمام فضائح تصدم الكبير والصغير، كما لو أنّه من غير كوكب؟ من أين ينبع؟ من أين يأتي؟ مَن هو هذا القادر على أن يهدينا مناجاةً بسرّه؟
أجمل الناس إخوة يدفعونك إلى أن تطرح على نفسك أسئلةً تعرج في طاعة أجوبتها؟
أي أجملهم أولئك الذين ينعشون ذاكرتك، أو يزرعون فيها من جديدهم الأخّاذ، لتكون، وتكون أفضل.
بلى، هناك إخوة بيننا صدّقوا أنّ الناس، إن استقبحهم آخرون، يبقى لهم مَن يحبّهم. صدّقوا الكلمة المكتوبة بأنّه "صديقهم". صدّقوا أنّ الربّ باقٍ صديقهم إلى المنتهى. وأخذوه مثالاً.
بلى، بلى، هناك إخوة صدّقوا أنّ الناس، أيًّا كانوا، كبارًا أو صغارًا، رجالاً أو نساء، علمانيّين أو كهنة، أبرارًا أو خطأة، "لحم من لحمي وعظم من عظمي". إخوة فعلاً إخوة!
هل ثمّة من سرّ آخر قادر على أن يصنعك إنسانًا جديدًا؟
هل ثمّة من سرّ أقوى من أنّك أخ؟
أمّا إن تجرّأتَ على إضافة ألوان إلى بياض الحقّ، فستوقظ "جبّارًا" كنت تظنّه نائمًا.
لا أعرف، بل أعرف أنّ الدفاع عن الحقّ فنّ، فنّ خاصّ، فنّ لا يتقنه جيّدًا سوى أولئك الذين قناعتهم كاملة بأنّ الآخرين أغلى من كلّ شيء فيهم، أغلى حتّى من فكرهم! هذا، إن بسّطتُهُ، يعني أن تعرف أنّ إيلي الحاجّ عبيد أمرُكَ، وإن كنتَ على خطأ، يهمّه. إيلي الحاجّ عبيد فنّان يعنيه، فيما يكون هو على صواب وتكون أنت على خطأ، يعنيه، إن دخلتَ معه في نقاش، أن يُبقي لك شيئًا واحدًا: أنّه يحبّك، بصدق. يسمعك. يستأذنك. يقول لك الحقّ بتهذيب عجيب. ويصمت كما لو أنّه أنهى شيئًا قاله لنفسه. وأنت، أيًّا كنت، على وعي عظيم أو عاديّ، تشعر، في هذا الذي جرى أمامك، كما لو أنّك في نهار ربيعيّ جميل يعبق بك العطر من غير جانب. كيف لك أن تكون في هذه النشوة فيما آخر بيّن لك، الآن، أنّك على خطأ؟ اسأل السماء، الربيع، الورود، العصافير. أي اسأل أيّ ما يمكنك أن تراه في تطابق عجيب مع إيلي الحاجّ عبيد. فإيلي الحاجّ عبيد هو هذا الفرح الغالي الذي يريدك أفضل من دون أن يريد منك له أيّ شيء، يريدك أفضل لنفسك. هذا جبّار من نوع آخر. افهم. إيلي الحاجّ عبيد كان لك فرصة!
يبقى أن نبقى نذكر أنّ مَن فاجأنا برحيله كان يفاجئنا دائمًا. ويبقى لنا، متى غلبنا الشوق، وجه إله ينتظر، دائمًا، أن نطبع عليه قبلة حبّ ورجاء لقاء. هذا إرثنا أنّ الوجوه تبقى. تبقى، وتفاجئ!