يذكر الإنجيليّون جميعًا أندراوس الرسول. في الأناجيل المسمّاة إزائيّة، ثمّة قاسمان مشتركان. أوّلهما، يذكر متّى ومرقس أنّ الربّ دعاه في ما كان يزاول مهنة الصيد (متّى 4: 18؛ مرقس 1: 16). وتاليهما يذكره الإزائيّون جميعًا في قائمة الرسل (متّى 10: 12؛ مرقس 3: 18؛ لوقا 6: 14). أمّا مرقس، فينفرد، في ذكره، بموضعين. أوّلهما أمر الزيارة إلى منزله التي الربّ خصّه وأخاه بطرس بها (مرقس 1: 29؛ قابل، من دون ذكر اسم أندراوس، مع: متّى 8: 14؛ ولوقا 4: 38)، وتاليهما أنّه أدرج اسم أندراوس مع ثلاثة تلاميذ آخرين (هم: بطرس ويعقوب ويوحنّا) طرحوا، معًا، على الربّ سؤالاً عن "نهاية العالم" (13: 3).
أمّا يوحنّا، فيذكر أندراوس في ثلاثة مواقع. أوّلها خبر دعوته (1: 35- 40)، وثانيها تدخّله في حادثة إطعام الجموع (6: 8)، وثالثها مشاركته في تنفيذ طلب يونانيّين التمسوا أن يروا يسوع (12: 22).
قَبْلَ أن نستقرّ في مواقع يوحنّا التي يعنينا معناها في هذه السطور، لا بدّ من القول إنّ مَنْ يقرأ الآيات المبيّنة يمكنه أن يستنتج أنّ التراث الإنجيليّ يُجمع على أنّ أندراوس هو واحد من التلاميذ الأوائل الذين تبعوا يسوع (في يوحنّا، هو المدعوّ أوّلاً). ويمكنه، تاليًا، أن يدرك أنّ موقعَيْ مرقس الخاصّين يظهران أنّ ثمّة صداقةً تشكّلت بينه وبين معلّمه بإعلان الإنجيليّ قبول الربّ أن يزوره في المنزل الذي يقيم فيه مع أخيه، وبإقرانه اسمه مع "الرسل الأكابر" الذين كانوا يطرحون أسئلتهم عليه من دون حرج.
في خبر دعوته، ذكر يوحنّا أنّ أندراوس كان أحد تلاميذ يوحنّا المعمدان. ورسم، في أسلوبه الفذّ، أبعاد ما جرى. قال، أوّلاً، إنّ المعمدان حثّ أندراوس على أن يتبع يسوع. وأطاع التلميذ من فوره. هذا، من جهة أولى، يضيء على رسالة المعمدان التمهيديّة. ومن جهة أخرى، يكشف طراوة مَنْ كان تلميذه. ولنستقرّ في أنّ أندراوس ربط مصيره بمصير معلّمه الجديد، تابع يوحنّا رسمته بقوله إنّ يسوع التفت وراءه، فرآهما (أي رأى أندراوس وتلميذًا آخر للمعمدان، لم يسمِّهِ، سمع الحثّ ذاته) يتبعانه. فقال لهما: "ماذا تريدان؟". قالا: "رابِّي (أي يا معلّم)، أين تقيم؟". قال لهما: "تعاليا وانظرا". فذهبا ونظرا أين يقيم. وأقاما عنده. وهذا يجب أن يكشف لنا أنّ طاعة أندراوس (ورفيقه) لم تكن مرتجلة، بل اختار، بحرّيّة مطلقة، أن يمشي في إثر المعلّم. أمّا إقامته معه، فتدلّنا على أنّ اختياره أبديّ. أن تلتحق بيسوع، يعني أن تقيم عنده أبدًا. واستكمالاً لرسمته، قال الإنجيليّ إنّ أندراوس لقي، أوّلاً، أخاه سمعان، وجاء به إلى يسوع. لقي أوّلاً، أي أنّ أندراوس طبعته، توًّا، خدمة الرسالة. فأوّلاً لفظة تتضمّن معناها، أي تفترض ثانيًا وثالثًا وألفًا...، أي تطلب أن تكون حياتنا، كلّها كلّها، دعوةً إلى الناس أن يتبعوا المعلّم. هذه نعمة أهّلته لها إقامته مع يسوع التي الله الآب يمنحها، بروحه، سرّيًّا. لم يذكر لنا، هنا، الإنجيليّ قول الربّ: "ما من أحد يستطيع أن يُقبل إليَّ، إلاّ إذا اجتذبه الآب الذي أرسلني" (6: 44). ولكنّنا مدعوّون إلى أن نقرأها هي هي. أقام أندراوس (ورفيقه) عند يسوع. وأنعم عليه الآب بأنّ ابنه هو غاية الوجود. فأخذ يدعو إليه.
المشهد الثاني، الذي يظهر فيه يوحنّا الإنجيليّ أندراوس، تمّ في سياق إطعام الجمع. كان أندراوس قد سمع حوارًا جرى بين يسوع وفيلبّس عن سبيل إطعام كثيرين تحلّقوا حوله. وبعد أن فشل زميله في جوابه، بادر هو إلى القول: "ههنا صبيّ معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان". وتابع: "ولكن، ما هذا لمثل هذا العدد الكبير؟". وبهذا، أبدى رأيًا لا يتبعد كثيرًا عمّا فاه به زميله. ولكنّ مداخلته تساعدنا على أن نكتشف أمرًا جذّابًا فيه. وهذا، إلى مساهمته في كشف عجب ما فعله يسوع بإطعامه كثيرين، أنّه كلّه عينان! يرى يسوع، ويرى كلّ مَنْ يتحلّقون حوله، أصغارًا كانوا أم كبارًا. هذه من طبيعة خدمة لا تستثني أيّ أحد. يقول لنا موقف أندراوس إنّ الكلّ يجب أن يأتوا إلى يسوع. وإذا انتبهنا إلى أنّ الصبيّ كان يحمل بعض طعام يأكله الفقراء في ذلك الزمان، فيجب أن نضيف: إلى أن يأتوا، الآن، هم كما هم، إلى مَنْ هو القادر، وحده، على أن يحوّلهم وتقدماتهم. هذا ما احتضنه الربّ، وثمّره كثيرًا جدًّا. الرسالة الجديدة تفترض أن نفتح عينينا على أنّ أيّ قليل، نقدّمه إلى الربّ يسوع (وفي الواقع، كلّنا قليل)، سيغدو، إن باركه هو، كثيرًا وذا قيمة لا مثيل لها: "اجمعوا ما فضل من الكسر، لئلاّ يضيع شيء منها" (6: 12).
آخر مشهد، أي مساهمته في اقتراب اليونانيّين، يجب أن نقرأه على أساس ما تلفّظه الربّ توًّا. قال: "أتت الساعة التي فيها يُمجَّد ابن الإنسان" (12: 23). هذا قاله جوابًا يضيء على الحادثة بما يشرّعها. فمجد الربّ سيتمّ على الصليب الذي سيطلق الكرازة إلى العالم. وبهذا، يكون الربّ ارتضى "الغرباء" الذين طلبوا أن يكلّموه، أي بهذا أجاب أندراوس (وفيلبّس زميله)، اللذين نشأ في بيئة تضمّ وثنيّين (بيت صيدا)، أنّك، وأنّكم كلّكم، مسؤولون، بعد موتي وقيامتي، أن تأتوا بالأباعد إليَّ. بعد تمجّدي، ليس من قريب وبعيد، ستغدون جميعكم واحدًا فيَّ. هذا المشهد الأخير يقول، بوضوح، إنّ الرسول، الذي أنعم عليه الربّ باختياره، إنّما يأتي إلى العالم من المحبّة التي تجلّت يوم علّق الربّ على خشب. اكتملت المشاهد!
كان أندراوس يعمل في صيد السمك. ولكنّ دعوته الجديدة جعلته صيّاد الناس (متّى 4: 19). هذه الخدمة، التي كُلِّفها هو ورفاقه، هي الخدمة التي رصفتنا إلى مسيح هو إلهنا قَبْلَ إنشاء العالم.