٨- صلّينا آخر مديح. بعض الإخوة، الذين لم نرَهم في أيّام الجمعة التي انصرمت، شاركوا في هذه الخدمة الكاملة. يبدو أنّهم يرون أنّ ما أتممناه أجزاء ليس هو الكلّ! هل هذا لعب على الوعي؟
أمّا الذي أدهشني، فواحد منهم حَمَلَ بين يديه، في أوان التبخير، بخورًا غسل فيه وجهه!
أحببت هذا المشهد الذي شعرت بأنّ الرجل فعله من تلقاء نفسه.
لبعض الإخوة سبلهم في التعطّر.
الموسميّون قد يخطفون قلبك.
ماذا يمكنهم أن يفعلوا إن ألهبتهم القربى؟
٩- أرادني أن أماشيه في أمر لا يناسب قناعتي. وعندما ضاق بي ذَرْعًا، أقفل وجهه دوني.
بات يمرّ من أمامي من دون وجه. سنة، سنتين، لم يعطني وجهه مرّةً واحدة. كنت، كلّما التقيت به، أرمي عليه سلامي، ويردّه الصدى. تعبت. واتّخذت القرار الذي منعتني مبادئي، طويلاً، من أن أتّخذه. رأيته أمامي، ولم أسلّم عليه. مررت من قربه كما لو أنّ الطريق خال من الناس، وعبرت!
كنت أتصوّر أنّ قراري قرارٌ نفّذته، وانتهى. فالرجل لا تجمعني به أيّ شركة، اللَّهمّ سوى شركة المنطقة التي أقطنها. وصدمني أنّه، بعد أن نفّذت ما نفّذته توًّا، رآني رجل آخر، واستغرب تصرّفي!
يا لَلمفارقة! سنتين لم يعنه سلامي، ولم يستغرب أحد، وأوّل مرّة، حجبته عنه، انكشفت!
يبدو أنّ الأمر لم ينتهِ.
يبدو أنّ ثمّة مَنْ يريدني أن أستمرّ في تعبي!
١٠- الصوم كلّه جَمال على جَمال. وأجمل ما فيه وجوه نسّاكه.
هذه الكنيسة الرائعة حكيمة في حضّنا على أن نرغب في ما ترغب فيه لنا. أقول لنا فيما المعروف، عمومًا، أنّ أناسًا، لا عدّ لهم، يعتقدون أنّ النسك لا يخصّهم!
يمكنني أن أعرف، من دون جهد، أنّ مؤمنين كثيرين في الرعايا، إن عُرض لهم وجه ناسك قدّيس (يوحنّا السلّميّ، مريم المصريّة...)، فسيحبّون هذا العرض، وسينتعشون كثيرًا. ولكنّك، فيما يحبّون وينتعشون، لن تراهم، بمعظمهم، قادرين على التقاط أنّ هذا العرض دعوة!
المعروف أنّ علاقة معظم الناس بالنسّاك علاقة تحكمها الجغرافيا وأساليب العيش. ما داموا هم يحيون في المدن والقرى، وما دامت لهم عائلاتهم وأعمالهم، فأنّى لهم أن يعتقدوا بهذه الدعوة؟
هل وضعت الكنيسة ذكرى نسّاك كبار، في الصوم، انسجامًا مع روحه أو تذكيرًا بالدعوة الواحدة أنّ "هذا العالم إلى زوال"؟ لا أعتقد أنّ ثمّة فرقًا بين الأمرين. فالصوم كلّه أن نعمّق وعينا أنّ الباقي هو وجه إله اختار أن يسكن عالمنا، لنختار أبديّته، اليوم قَبْلَ غد.
١١- عندما تكاد الفضيلة تُغتال في الأرض، تتمنّى لو ولدت سقطًا!
يعوزني أن أبقى أذكر أنّ الخطايا، ولا سيّما إن بدت ظاهرة، يعوز مرتكبيها تعهّدٌ أخويّ.
هم، أيضًا، يعوز بعضهم أن يرتضوا أنّهم إخوة في المسيح يسوع.
ربّما خير ما في كنيستنا، وكلّها خير، أنّها تنادينا إلى أن نُقرّ، أحرارًا، بذنوبنا أمام إخوة معتبَرين.
كثيرًا ما قلت، في نفسي، إنّ هذه الممارسة لا يكفيها أن تحصر بجلسة نبتغي فيها مصالحة الطهر. وفي أحيان كثيرة أيضًا، كنت أقول هذا علنًا. فالحياة الكنسيّة كلّها هذه الجلسة. كلّها كلّها!
لو كنّا قادرين، دائمًا، على أن يقول أحدنا للآخر كلّ ما يريده، لَكنّا وفّرنا تمنّياتٍ لا نحبّها.
لا أعرف إلى متى سيبقى بعضنا ينتظرون أن يكلّمهم الله من فوق الغيوم!
أذكر أنّ لوقا الإنجيليّ قال في سرده حدث العنصرة: إنّ "بطرس (بعد حلول الروح) وقف...، ورفع صوته". وهذا، يقول الأكابر في كنيستنا، يعني أنّ الله نفسه بات يكلّمنا بعضنا من طريق بعض.
قيمة الحياة الكنسيّة أنّها حياة مفتوحة على آفاق الأرض كلّها. وخطرها أنّها مفتوحة!
الله يريد أن ينبع البرّ من وسطنا. ولكن، ما قولك إن سمعتَ أهل الخارج يعيبون علينا أمرًا؟
أوصانا برّ المناسك بأن نرمي جببنا على كلّ مَنْ يرتكب عيبًا في داخل البيت. لم يرد أن نغطّي الخطيئة، بل أن نداويها بالمحبّة. كلّ تصرّف عظيم هدفه واحد: أن نثبت في المحبّة، أو أن نسترجعها.
لكنّنا لا نحيا في عالم أعمى، أو في عالم يفهم كلّه أبعاد إرثنا.
عندما تكاد الفضيلة تُغتال في الأرض، لا يكفي أن نتمنّى، بل يجب أن نلتزم قوانين كنيستنا!
١٢- سأله عن رأيه في قبوله وظيفة، في الخارج، عُرضت عليه.
أجابه: "اسأل نفسك: هل أريد أن أعيش في مكان عملي، أو أن أعمل في مكان عيشي؟"!
١٣- يقرع بابنا، بين الحين والآخر، أحد العاملين في المؤسّسات الخيريّة المتكاثرة في لبنان. بعضهم يتّصل قَبْلَ أن يأتي. وبعضهم لا يأتي بيد فارغة. ثمّة مؤسّسات تردّ إليك الهبة بما تنتجه.
بلدنا كثر فيه المرضى والأيتام والشيوخ المهملون... إلى متى سنبقى بلدًا متخلِّفًا؟!
مَنْ قرع بابي اليوم، كان قد قرعه منذ نحو شهرين. عندما فتحت له، وصلت إليَّ ابتسامة منه وفّرت علينا الخوض في ذكر الأوقات والأزمنة! أخذ ما أخذه. دعا لي ولعائلتي. وذهب يتبع برنامجه.
ذكّرني هذا القرع بكلامٍ سمعته منذ أيّام. قال لي أحد أصدقائي إنّه سأل عن إحدى المؤسّسات الخيريّة، التي اعتقد أنّها تنتدب شابًّا يأتيه بتواتر أيضًا، واكتشف أنّها مؤسّسة وهميّة!
في لبنان، ثمّة مَنْ يسرق الناس باستعماله وجعًا لا تقوى على رفض عضده.
بعد أن ذكرت ما ذكرته، ذكرت شيخًا في كنيستنا علّى قبول الاستغلال على رفض العضد. هذا ردّ عنّي فكرةَ أن أسأل عن المؤسّسة التي كان رقمها موجودًا على الإيصال الذي تركه لي شابّ اليوم.
عضد الوجع، لا يوافقه أن يستوقفك درك التخلّف اللبنانيّ. غضّ الطرْف قد يكون أصلح!
١٤- علمت، اليوم، أنّ نارًا قد زنّرتني. هذا ما أكّده طبيبي.
أسبوع عظيم صعب بانتظاري!
إن وقفت أو قعدت أو مشيت، رفيقي معروف.
لِمَ سمح لي الربّ بهذا الألم؟
أنا لا أطلب ألمًا. هذا ليس من معتقدي.
أمّا إن أتى، فأطلب أن يزيله الربّ عنّي، أو يأخذه منّي، أو يعينني فيه!
خبرة هذه النار لعينة. تُذكّر، أجل تُذكّر، بما لا يرغب فيه بشريّ.
الفارق أنّ ناري ليست أبديّة.
كيف ستكون النار الأبديّة، يا ترى؟!