2ديسمبر

١ نيسان - ٧ نيسان

           ١- يذكّرني هذا اليومُ برجلٍ اختار أن يحيا في جبل لبنان. أتى من بعيد، ونزل فيه حبًّا بـ"النهضة" التي أشعلت كنيستنا الأنطاكيّة، وبالأسقف الذي يرعانا. لا أذكره لعلمي بأنّه، في هذا التاريخ، قد قرّر العودة نهائيًّا إلى بلده، بل بأنّه يكره الكذب (الملوَّن وغير الملوَّن!) الذي يشغل الناس اليوم.

            اليوم، نقل إليَّ أحد معارفي خبرًا أرعبني. وعندما لاحظ رعبي، قال لي: "إنّه أوّل نيسان"! 

            ما من أبشع من أن تكون، ولو للحظة، ضحيّة لعب. لم يستوقفني كثيرًا أنّ ثمّة مَنْ قد يتعدّى، اليوم، على مَنْ هم ذوو قلوب ضعيفة، بل: كيف سيمضي على رجلي المختار؟ هل سيجرؤ أحد على أن يمازحه بكذبة "بيضاء" مثلاً؟ وهل سيكون ردّه، إن حدث، تسامحًا كما فعلت، أو جنونًا كما أنتظر؟

            ملحوظة: المرأة، التي ذكرتها في الخامس والعشرين من الشهر المنصرم، رافقها زوجها إلى الصلاة اليوم، ليمتدحا العذراء. يبدو أنّ أمّ الربّ لم تقوَ على الانتظار، فزارتهما، وأفرحتهما!

           ٢- علّمني أحد الإخوة، منذ زمان بعيد، أنّ مزمور صلاة الغروب يتكلّم على الخليقة المتجلّية قَبْلَ السقطة. وأضاف: "من أجل هذا، يتلوه المتقدّم، وتصغي إليه الجماعة، وقوفًا".

            استرجعت هذا الكلام، اليوم، فيما كانت الكنيسة خاليةً من سوى مرتّلها وبعضٍ آخرين. كان يقرأ هذا المزمور وقوفًا معهم. أين الخليقة التي تبتغي التجلّي في مباركتها للربّ الذي أعماله لا تُنسى؟

            قليلون يعلمون أنّ هذه الصلاة سبيلنا إلى اجتماع يوم الأحد. "وكان مساء، وكان صباح".

            أعجبني، مرّةً، في لقاء كنسيّ عامّ، أنّ أحد الإخوة، المعتبَرين في الجماعة، قال: "مَنْ لا يصلِّ صلاة غروب يوم السبت (وسحريّة الأحد)، لا ينفعْ أن يُكلّف مسؤوليّةً في الجماعة". ربّما يكون هذا القول، في ظاهره، قاسيًا. أقول: ربّما. ولكنّ العمل المسؤول لا يقيمه سوى إشهار الافتقار إلى الله.

            أعتقد، جازمًا، أنّ عمل الجماعة هو أن تصلّي أبدًا. كلّ أمر آخر يأتي من هذا التوثّب الراضي الذي يقول، ببلاغة راضية، إنّ الله، هنا، يريد أن يلفّنا بنوره السنيّ.

            ٣- مذ قرأت كتاب أبينا البارّ يوحنّا السلّميّ، زاد يقيني بأنّني لا أنفع بشيء.

            ثمّة صفحات لم يكتبها بشر! لست أعلّي أيّ كتاب، في الأرض، على "كلمة الله". فما يدهشني كثيرًا قدرة هذه الكلمة الثريّة على أن تقدّم إليَّ ذاتها بألف لون ولون، وأن تفضحني بألف مَثل ومَثل.

            من ثراء الكلمة في كتاب السلّميّ، هذا البارّ الذي التزم حياة النسك عمره كلّه، أنّه بقي حرًّا ممّا كنّا نسمعه (وما زلنا أحيانًا) من تمييز، غريب عن تراثنا القويم، بين البرّيّة والمدينة، البارّ والخاطئ، المؤمن وغير المؤمن... يبدو أنّ ثمّة مَنْ لم يعلم بقوله: "الله هو لجميع الذين يختارونه. وكذلك الحياة والخلاص هما للناس جميعًا، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين، رهبانًا أو علمانيّين، حكماء أو بسطاء، أصحّاء أو مرضى، أحداثًا أو شيوخًا، وذلك على غرار تدفّق النور وشروق الشمس وتوالي فصول السنة من أجل الناس كافّةً على السواء. نعم، وليس الأمر على خلاف ذلك، لأنّه ليس عند الله محاباة"!

            أمّا ما يفضحني بتأكيده أنّني لا أنفع بشيء، فيكفيني أن أذكر منه هذه الأقوال الثلاثة:

            ١) "مَنْ ينتظر الموت في كلّ يوم، هو، لا شكّ، فاضل. لكنّ مَنْ يتوق إليه هو قدّيس". 2) "إنّي أرى ألاّ يقال عن أحد إنّه قدّيس حقًّا، وبالكلّيّة، إلاّ إذا قدّس تراب جسده أوّلاً، اللَّهمّ إن كان هذا ممكنًا". 3) "مَنْ يتخلَّ عن الأموال من أجل الله، فهو عظيم. أمّا مَنْ يتخلّى عن مشيئته، فهو قدّيس"!

          ٤- أن يرتكب أحد إخوتك خطأً جسيمًا وافق على تحذيرك إيّاه منه قَبْلاً، أمر يعني أنّه حرّ! لا تغضب، ولا تندم! وإيّاك أن تنظر إلى الوراء. فقد يمزّقك أن يرتسم لك أخوك من دون أذنين وفم!

            ٥- ألمني بانتقادِهِ المطلقِ عدمَ استمرار براعة الوعي.

            قال لي: "ما كنت أراه في مطلع التزامي، عدت لا أراه اليوم"!

            دائمًا، يخيفني أن يصنّم أخٌ الزمانَ، أي أن يقف في بعض ماضيه، ويطلّ على حاضره أفًّا!

            لا شيء يقنعني بأنّنا بشر نعي أنّ الله رفعنا من وسخ التاريخ سوى أن نعلن اعتقادًا واضحًا أنّ للروح القدس، في صحارى وجودنا، بصماتٍ لا تنقضي. هذا يبدي أنّنا، ناظرين، نعبد إلهًا حيًّا.

            ٦- تصدمني بعض الأفواه (والأقلام) التي تتكلّم على "الحياة في المسيح" كما لو أنّها تضرب بالسيف! هذا يشعرني بأنّ ثمّة مَنْ لا يقنعهم ما يقولونه (ويكتبونه)! هل أدين؟ لا، بل أرجو من الله أن يعلّمنا كلّنا أنّ الرحمة، أي رحمتنا الآخرين، هي التي تؤكّد أنّنا نعتقد بأنّ الفضائل هبة مقبولة أبدًا.

            "ردَّ سيفك إلى غمده"!

            هذا يعني، في سياقنا، أنّ كلّ تبليغ يفترض اقتناعًا كاملاً بأنّ إلهنا العجيب، أي إله الحرّيّة المطلقة، ارتضى، بكلّ ما قالَهُ وفعلَهُ، في زمان كانت الحيّات والعقارب بشرًا!، أن يخطب ودّنا بطول أناته ولطفه ورحمته. هذه هي الإيقونة التي ينبغي لنا أن نقبّلها متى أردنا أن نتكلّم (أو نكتب).

            ٧- "الناس على دين ملوكهم".

            ردّ على سلامي بطريقة ربّ عمله عينها.

            أبدًا، طبق الأصل، حركة اليد، وتعابير الوجه وما تُخرجه الشفتان، هي هي.

            آه لو يعرف الناس، الناس جميعًا، أنّ الربّ يسوع، هو هو، ملك ملوك الأرض!

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content