يسمّيه الإنجيليّان الأوّلان: "تدّاوس" (متّى 10: 3؛ مرقس 3: 18)، والثالث: "يهوذا بن يعقوب" (لوقا 6: 16؛ أعمال الرسل 1: 13). أمّا يوحنّا الإنجيليّ، فـ"يهوذا غير الإسخريوطيّ". ويسمعنا، في الخطاب الوادعيّ، قوله للربّ معلّمه: "ما الأمر حتّى إنّك تُظهر نفسك لنا، ولا تظهرها للعالم؟" (14: 22).
سندخل في مغامرة التعرّف إلى هذا الرسول بالتنقيب عن معنى قوله المبيَّن هنا.
ثمّة بعض رسل يكتفي الإزائيّون بذكرهم في قائمة الاثني عشر. وحده، يوحنّا سعى، في إنجيله، إلى أن يخصّص بعضًا من هؤلاء بإبرازه إيّاهم. تدّاوس، أو يهوذا بن يعقوب، هو أحد هؤلاء المبرَزين.
إذًا، أمامنا قول يهوذا. والقول، أو صاحبه، ظهر في جوّ حميميّ. كان الربّ، على العشاء، قد أنهى غسل أرجل تلاميذه، وأخذ يودّعهم في خطاب طويل. ثلاثة تلاميذ تعاقبوا قَبْلَ يهوذا غير الإسخريوطيّ، فطرح كلّ منهم سؤالاً على الربّ. بطرس سأله أوّلاً: "إلى أين تذهب؟" (13: 36). وتوما سأله، ثانيًا، عن الطريق (14: 5). وطلب فيلبّس إلى يسوع، ثالثًا، أن يريهم الآب (14: 8). وسمعوا جميعهم ما قاله.
بعد أن ردّ الربّ على تلاميذه الثلاثة، أخذ يحدّثهم عن "روح الحقّ الذي لا يستطيع العالم أن يتلقّاه / لأنّه لا يراه ولا يعرفه. / أمّا أنتم، فتعلمون / أنّه يقيم عندكم ويكون فيكم / لن أدعكم يتامى، فإنّي أرجع إليكم / بعد قليل لن يراني العالم. / أمّا أنتم، فسترونني لأنّي حيّ ولأنّكم أنتم أيضًا ستحيون / إنّكم في ذلك اليوم تعرفون / أنّي في أبي وأنّكم فيَّ وأنّي فيكم / مَنْ تلقّى وصاياي وحفظها، فذاك الذي يحبّني / والذي يحبّني يحبّه أبي / وأنا أيضًا أحبّه فأظهر له نفسي" (14: 17- 21). ثمّ نطق يهوذا.
كما هو ظاهر، أتى سؤال يهوذا غير الإسخريوطيّ في سياق كلام الربّ على يوم الفصح، يوم قيامته الذي سيشهدون فيه ظهوره لهم. في هذا اليوم، وفق إنجيل يوحنّا، سيعطي الربّ تلاميذه الروح القدس (20: 19- 23). ويجب، في هذا السياق، أن نلاحظ تشديد يسوع على حفظ تلاميذه وصاياه تعبيرًا عن محبّتهم له. الطاعة والمحبّة صنْوان. هذا، في خطّ ما قاله، يعني أنّ الروح الآتي إليهم، في بركات يوم الفصح، شأنه أن يحيي فيهم ما سمعوه يخرج من فم معلّمهم. أي، يعني، خصوصًا، أن يحيي وصاياه، أو وصيّته، أي وصيّة المحبّة التي تجمع الوصايا كلّها (قابل مع: 2يوحنّا 5 و6). فالله، آبًا وابنًا وروحًا قدسًا، يعتلن مجده في المحبّة، المحبّة الأخويّة التي تستقي من محبّة الله التي لنا في المسيح، أو من قبولنا إيّاها تاجًا لحياة تشعّ بها. هذا هو انعكاس الفصح على جماعة التلاميذ. قرأنا، الآن، أنّه قال لهم: "لأنّي حيّ ولأنّكم أنتم ستحيون". الربّ أحيانا بمحبّته، وجعل قبول هذه المحبّة، في الحياة اليوميّة، طريقًا واقعيًّا إلى رؤيته حاضرًا بيننا. ويعلم قرّاء إنجيل يوحنّا أنّ الربّ جعل المحبّة الأخويّة بابًا إلى جماعة الناس، ليعرفوه. قال لهم قَبْلَ سؤال بطرس المبيَّن: "إذا أحبّ بعضكم بعضًا / عرف الناس جميعًا أنّكم تلاميذي" (13: 35).
ماذا أراد يهوذا من سؤاله؟ أراد ما أراده سواه في الجماعة المسيحيّة الأولى. فهذه رغبت في أن يعلن الربّ انتصاره الأخير، الآن. "ما الأمر حتّى ... لا تظهر نفسك للعالم؟"، سؤال يصبّ في إعلان الانتصار الأخير. يُظهر السؤال أنّ التلاميذ لمّا يكونوا قد أدركوا، تمامًا، أنّ ما طلبه يهوذا سيكون تكليفهم! يسوع، في جوابه، لم يرفض ما سمعه. لكنّه وضع رغبة تلميذه، أو تلاميذه، أو الجماعات المسيحيّة في غير جيل، في سياقها الواقعيّ. فالربّ أراد أنّنا، الآن، في الزمن الأخير. هذا انتصاره الذي تمّمه يوم علّق على الخشبة. ليس من انتصار آخر. لقد بذل يسوع نفسه عن العالم حبًّا. وإذًا، وافق يسوع على ما سمعه. ولكنّه، في جوابه، رسم أن ينفتح كلّ إنسان، في الأرض، على كلمته، وصاياه، وصيّته، وصيّة المحبّة الأخويّة، ليحيا بهذا الانتصار، ويكشفه في العالم. تمنّي يهوذا، حلمُ يهوذا، جعله يسوع واقعًا فيهم: "إذا أحبّني أحد، حفظ كلامي، فأحبّه أبي / ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مقامًا" (14: 24). قال هذا. وبعد أن ذكر أنّ ثمّة أشخاصًا لن يحبّوه برفضهم كلامه، أعاد كلامه على المؤيّد، "الروح القدس / الذي يرسله الآب باسمي، هو يعلّمكم جميع الأشياء / ويذكّركم جميع ما قلته لكم" (14: 26)، فاكتمل جوابه. سيكفل الروح أن يفهم تلاميذ الربّ كلّ شيء. لن يضيف إلى ما قاله يسوع شيئًا. لكنّه سيدخلهم في عمق سرّه، ليخرجوا هم إلى العالم، ويردّدوا، بتبليغهم المحبّة قولاً وفعلاً، أنّ انتصار الربّ الأخير قد تمّ، قد تمّ!
لا يمكننا أن نعتقد أنّ الإنجيليّ، بإصراره على ذكر أنّ مَنْ طرح هذا السؤال على الربّ هو يهوذا غير الإسخريوطيّ، كان خائفًا من أن يخلط واحدٌ من قرّائه بين يهوذا بن يعقوب ويهوذا بن سمعان الإسخريوطيّ الذي انقلب خائنًا. فيوحنّا كان واضحًا بذكره أنّ الإسخريوطيّ لم يكمل هذا اللقاء المحيي. كان قد دخله الشيطان بعد أن أخذ اللقمة من معلّمه، وخرج من وقته. وكان الليل قد أظلم (13: 26- 30). كان مشغولاً بليله! ولكنّنا يجب أن نعتقد أنّه، بهذا الإصرار، أراد أن يقول لنا إنّ المحبّين يغلبون كلّ ليل بالتزامهم كلمات يسوع، التي سمعها يهوذا بن يعقوب وسأل فيها، نورًا أبديًّا لِليلهم ونهارهم.
تدّاوس، أو يهوذا بن يعقوب، أو يهوذا غير الإسخريوطيّ، رسول محبّ أرادنا أن نسهم في إظهار انتصار الربّ الحيّ، أي انتصاره الأخير. هذا يكفي، ليقول يوحنّا كلّ شيء فيه، وكلّ شيء لنا.
(نشر المقال في نشرة "رعيّتي" التي تصدرها مطرانيّة جبيل والبترون (جبل لبنان) )