"من بيت إلى بيت" ليست رواية من نسج الخيال. هي قصّة جماعة أحبّت من أحبّها أوّلاً (1يوحنّا 4: 10). أحبّت رغم خطاياها التي بقيت تلاحقها. أحبّت بصدق. أحبّت، وصدّقت. "آمنت، ولذلك تكلّمت" (2كورنثوس 4: 13). حدّقت "إلى مُبْدِئ إيماننا ومتمّمه، يسوع الذي، في سبيل الفرح المعروض عليه، تحمّل الصليب مستخفًّا بالعار، ثمّ جلس عن يمين عرش الله" (عبرانيّين 12: 2)، وصارت تسعى إليه. كلّ الحياة أن تسعى إلى الحبيب الواحد الذي يبحث عنك، ويلاقيك فيما تبحث عنه. كلّ الحياة أن تسعى إليه في "وسط الجماعة" الناهضة. فشأنك أن تعرف، دائمًا، أنّ "المسعى الجماعيّ هو الطريق الأفضل للتعبير عن المحبّة والتراصّ في الجسد الإلهيّ"[1]. ما من طريق أفضل. ما من طريق آخر (يوحنّا 14: 16؛ أعمال الرسل 9: 2). ربّ واحدٍ يظنّ أنّ من ينخرط في جماعة الله، ويعتنق حبّها، يجب عليه أن يترك بيته، وينتقل إلى بيت آخر. لكنّه، ما إن يفعل، يفهم أنّ الحياة مع الله إنّما موقعها واحد. الإنسان، في الكنيسة وفي بيته وفي كلّ مكان تطأه قدماه، دعوته أن يسلك سلوكًا واحدًا.
"من بيت إلى بيت" هي، في الأخير، حكاية أشخاص حقيقيّين حاولوا، في حلّهم وترحالهم، أن يسيروا بالله، ورجاؤهم أن يقرّوا فيه. هي حكاية أشخاص هدفهم كلّه "أن تحيا الأرثوذكسيّة"[2]، أي أن يحيوا بها. هي حكاية تُحكى. حكاية، وإن حُكيت، تبقى الحروف عاجزة عن سبر أغوارها.
آن الأوان، ليصرف تلك "الخمسين". لم تبقَ لها قيمة، الآن، بعد تدهور العُملة المحلّيّة. بعد مرور السنين، كلّ شيء تبدّل. ولكنّ الأمر الوحيد، الذي بقي على حاله، أنّه لم يسامح نفسه. عاد لا يدرج هذا الأمر المقيت في باب الأنانيّة، أو اللصوصيّة، بل صار يعتبره واحدًا من خطاياه الكثيرة التي ظلّت "أمامه في كلّ حين" (مزمور 50: 5). ما أصعب الخطيئة الباقية! في أوّل اعتراف له، ذكر قصّة تلك الخمسين بمرارة ظاهرة. وقيل له إنّها من الماضي الذي يجب أن يتركه وراءه! قد يكون معرّفه شعر بمرارته، وأراد أن يلملمه، ويرطّب له قلبه! هذا شأن المعرّف أبًا حقيقيًّا. أراحه ما سمعه منه. كان يعرف أنّ الاعتراف مقرّ تجديد. أراحه. لكنّه بقي لا "يبرّر نفسه". بقي ينتظر أن يقبله الله "في ذلك اليوم". الحياة انتظار، انتظار يوم الربّ الذي "ينير خفايا الظلمات، ويكشف عن نيّات القلوب" (1كورنثوس 4: 5). لقد حاول أن يكون خياره، هنا، التزامًا سيبقى فخره إلى القبر، وإلى ما بعد القبر! لقد صدق عندما رأى أبد الله، هنا، في حياة الكنيسة المجاهدة. هذا يقينه الذي ما من شيء، مهما كان صعبًا ومخزيًا، يقدر على أن يزعزعه، أو ينزعه من قلبه. "فكلّ شيء لا يأتي عن يقين هو خطيئة" (رومية 14: 23). وصدق عندما قال إنّه لا يضمن إن كان الله الآب سيعدّه، في اليوم الأخير، من أبنائه الحقيقيّين. يبقى أنّه خاطئ يحاول أن يتوب. خاطئ منّ الله عليه بالانضمام إلى "أهل بيته". خاطئ ينتظر "الرحمة الغنيّة العظمى".
[1] جورج نحّاس، أنطاكية تتجدّد، صفحة 407.
[2] مرسيل مرقص (حاليًّا، الأرشمندريت إلياس، رئيس دير القدّيس جاورجيوس- دير الحرف)، أنطاكية تتجدّد، صفحة 36.