الإيمان بقيامة الأموات دعا إليه أنبياء العهد القديم للدلالة على أنّ الله الحيّ والقادر على إعطاء الحياة هو يفتدي شعبه الذي يرجو خلاصه، وينتصر على الموت لصالحهم (أشعيا 26: 191 و51: 6- 9؛ هوشع 6: 1- 3 و13: 14؛ حزقيال 37: 1- 14)، هذا إعلان أوّليّ لوعد القيامة لا يخلو من الغموض والرمزيّة. في القرن الثاني ق.م. يتقدّم الوحيّ تقدّمًا ملموسًا. فعندما استُشهد المكابيّون على يد أنطيوخوس الرابع السنة 167، صار اليهود يتساءَلون عن مصير الصدّيقين الذين ماتوا في سبيل الإيمان. الجواب يأتي به سِفر دانيال (12: 2) حيث يشدّد كاتبُه عزيمة شعبه، ويرسم لهم بالصور الوجهَ المحجوب من استشهادهم، أي المجدَ الذي ينتظرهم، فتُفهم صورةُ القيامة التي أُعطيت رمزًا في ما مضى فهمًا واقعيًّا: إنّ الله سيُصعد الأموات من الجحيم وسوف يُشْرِكُهم في ملكوته.
النظرة اليونانيّة (الأفلاطونيّة) للقيامة لا تشبه بأيّ حال النظرة العبريّة. ذلك بأنّ النفس، بحسب المفهوم اليونانيّ، تُعَدُّ مشابهةً لعالم الأفكار وسجينةَ الجسد، وتاليًا فإنّ الموت يطلقها ويُحرّرها من الجسد. ولكون النفس بطبيعتها غير قابلة للفساد، تدخل في الخلود الإلهيّ منذ اللحظة الأولى التي يجرّدها فيها الموت من رباطات الجسد. أمّا العبرانيّون، فاعتقدوا بأنّ الشخص، بجملته، طبقًا لحالته الحاضرة، يُرسف في الأغلال تحت سلطان الموت. فالنفس، التي هي مبدأ الحياة، تنحدر إلى الجحيم إلى مثوى الأموات (وهو عبارة عن حفرة لا يمكن تحديدها يُزرَب فيها الأموات تحت سلطان الموت) (مزمور 94: 17، 115: 17)، وتكون بلا وجود شخصيّ، لأنّ الله، الذي هو بجوهره نور وحياة، لا يزورها، وهي، تاليًا، لا تستطيع أن تسبّحه (مزمور 88: 11؛ أشعيا 38: 18)، ولا أن تكون لها أيّة علاقة مع الناس (أيّوب 14: 21ي). إلاّ أنّ العبرانيّين (أو أغلبهم) لم يعتقدوا بفناء الإنسان بعد الموت، بل، على العكس، قالوا باستمراره في الجحيم حتّى القيامة حيث يتمّ اللقاء العامّ والشامل. فنهاية حياة الإنسان بالموت ما هي إلاّ حالة عابرة يُبعث الإنسان بعدها حيًّا، بنعمة الله، كما من رقاد أو نوم استرسل فيه.
في زمن السيّد، كانت مجموعة أحزاب دينيّة عدّة تتضارب نظريّاتها في موضوع القيامة. فـ"الصدّوقيّون"، الذين لم يستعملوا سوى الكتب الموسويّة الخمسة التي باعتقادهم لا تذكر القيامة، اعتبروا أنّ مسألة القيامة بدعة لا فائدة منها، ولم يؤمنوا بها (متّى 22: 23؛ أعمال الرسل 23: 8). و"الأسانيّون" نادرًا ما ذكروا القيامة، ونظروا إليها نظرتهم إلى عالم متحوِّل. أمّا "الفريسيّون"، فهم الذين آمنوا بالقيامة إيمانًا ثابتًا، فاعتقد قسمٌ منهم بأنّها ستتمّ قبل مجيء المسيح، بينما القسم الآخر قال إنّها ستتمّ بعد مجيئه، وتوقّعوا حياة محوَّلة وِفق ما جاء في سفر النبيّ دانيال، أو أمثال أخنوخ (51: 4).
اعتقد يسوع بقيامة الأموات، وقاوم ناكريها (متّى 22: 23- 33). فبرهن للصدّوقيين أعداء القيامة، في زمنه، باستعماله أسماء الآباء الأوّلين على أساس أنّهم أحياء، أنّ التوراة، أيضًا، تكلّمت على تغلّب الحياة على الموت. غير أنّ الأمر الجديد، الذي كُشف في يسوع والذي بدّل كلَّ شيء، هو أنّ حدث قيامته من بين الأموات حقّق رجاء الأبرار القديم الذين وثقوا بأنّ الله سوف ينتشلهم من قبضة الموت (راجع: أعمال 2: 24، 13: 34 التي تستشهد بالمزمور 16). وهذا، تاليًا، ما تكشفه المطابقة التي جعلها العهد الجديد ما بين صورة "ابن الإنسان" الذي ذكرها سفر دانيال - والتي هي أوضح صورة رمزيّة دلّت في العهد القديم على انتصار الصدّيقين على الموت - ويسوع شخصيًّا. ففي يسوع البارز من القبر، فُهمت كلّ رموز الغلبة القديمة، وتحقّقت معانيها، وكملت. ما يَلفت النظر هو أنّ النبوءات المتكرّرة، التي جاءت في كتاب العهد الجديد على لسان يسوع والمتعلّقة بآلامه وموته، كانت تضمّ التنبّؤ بقيامته دائمًا (مرقس 8: 31، 9: 31 و10: 34 وما يوازيها)، وفي كلّ مرة، كان الكلام يدور على قيامته في "اليوم الثالث" أو "بعد ثلاثة أيّام".
ثمّة علامات عديدة أسقط عليها العهدُ الجديد معاني قيامة الربّ وفسّرها على ضوء السرّ الذي كُشِف في اليوم الثالث (راجع: "علامة يونان": "لأنّه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ"، متّى 12: 40؛ و"علامة الهيكل": "أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وأنا في ثلاثة أيّام أقيمه. فقال اليهود في ستٍّ وأربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيّام تقيمه. وأمّا هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلمّا قام من بين الأموات تذّكر تلاميذه أنّه قال هذا..."، يوحنّا 2: 19- 22). غير أنّ بعض الاختصاصيّين في علم التفسير الكتابيّ يُجمعون على أنّ عبارة "في اليوم الثالث" قد استوحيت، أوّلاً، من نبوءة هوشع (يقول النبيّ: "يُحيينا بعد يومين وفي اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه"، 6: 1- 2)، وأنّها اتّخذت، في أيّام المسيح، معنى لاهوتيًّا دلّ على ما نسمّيه بـ"يوم القيامة العامّة"، وهو الحدث المتوقَّع حدوثُه في نهاية الأزمنة في سبيل الجماعة كلّها. فإذا شهد المسيحيّون الأوائل بأنّ المسيح قام من بين الأموات "في اليوم الثالث" (لوقا 24: 46؛ 1كورنثوس 15: 4)، فهذه الشهادة، بكلّ تأكيد، لا تقصد تحديد تاريخ معيّن (غداة اليوم الثاني، وهو اليوم الذي ذهبت فيه النسوة إلى القبر ووجدنه فارغًا). لكنّها تعلن أنّ قيامة يسوع استبقت نهاية التاريخ، وأتت بالقيامة العامّة. فالمسيح، الذي قام، هو "البكر من بين الأموات" (كولوسّي 1: 18)، أو "باكورة الراقدين" (1كورنثوس 15: 20). ونحن، انطلاقًا من قيامته، نستطيع أن ندرك قيامتنا، لأنّ قيامته هي سرّ عبورنا، شخصيًّا، مع الكون كلّه، إلى الحياة في الله.