2أغسطس

لستُ أعمى!

إن كنّا نعتقد أنّ الله قد أفاض علينا خيره في هذه الأيّام الجديدة، فلا بدّ من أن تحزننا مظاهر الخفّة هنا وهناك. إلى متى سنبقى غافلين عن رضا الكلمة: "أنّنا عبيد لا خير فيهم" (لوقا 17: 10)؟

هل ينبغي لي أن أخصّص؟ لا أعتقد أنّ التخصيص ينفعنا هنا. قد يجرح. قد يُعتبر استعلاء. ولا أريد أن أجرح أحدًا، أو أستعلي على آخر. كلّ ما أريده أن يصالح كلٌّ منّا التمثّل بإله تنازل إلى أن يسحقه أناس أتى إليهم! هل وصل إلى آذان ساحقيه أنّه قال: "إنّي وديع ومتواضع القلب" (متّى 11: 29)؟ هل اتّكلوا على أنّه غفور رحيم؟ لا أعرف. يمكن. لكنّ ما وصل إلينا منه أنّه، وديعًا ورحيمًا، قد سُحق حتّى النهاية. وما وصل أنّه حَكَمَ أن نمشي، في إثره، في عالمٍ يريد أن يسحقه فينا أيضًا. وما وصل أنّه، مسحوقًا، استطاع أن يردّ الكون إلى أبيه. كان سحقه مرقاة ارتداد. هذا عجب الله في زمان الناس.

هل أراقب الناس؟ لستُ أعمى! ولا أعتقد، وفق قول القائل: "مَن راقب الناس، مات همًّا"، أنّني سأموت مِنْ همِّ بعضِ ما يضرب عينيَّ! أنا واثق بأنّ أسباب موتي ليست ناقصةً، ليستقرض الله لي ممّا قد يراه يميت سواي. لكنّني، على ضماني أسباب موتي، أحبّ أن يحيا إخوتي، إخوتي كلّهم، واحدًا واحدًا. هذا أقوله بصدق. أكتبه، علنًا، بمدادٍ لم أشتره من المكتبات، بل وُهبته مجّانًا. بعض إخوتي هم علّموني ما أعرفه، أي كلّ ما أعرفه. وعلّموني أن أعرض علمهم بودّ صادق.

أرى بعضًا، إذًا. وأرى منهم عارفين يبديهم سلوكهم كما لو أنّهم لا يعرفون شيئًا. أين تعلّموا أنّ المعرفة شيء لا يتعلّق بحياتنا كلّها، أجل، كلّها كلّها؟ لم تفصل كلمةُ الله المعرفةَ عن الحياة، فأين تعلّموا أنّ العلم والحياة خطّان متوازيان؟ في أيّ كتاب يقرأون؟ هل أدين؟ لا، بل أسأل! أرى بعضًا قد التزموا علمًا يجرح "الكلمة"، وبرزوا فيه! وإذا سألتهم عمّا يُرى فيهم، لا أعرف ما سيكون ردّهم. قد يكون لهم تبريرهم. قد ينكرون. هل يعترفون؟ أودّ أن أفعل. لكنّي أخاف أن أضيف إلى عيوبي عيبًا آخر، عيب أن أكون سببًا في رَدّ الكلمة! هل أفعل؟ أودّ أن أفعل. هل أطلب دفعًا؟ يعيبني أن أنتظر دفعًا إلى بوح الحقّ. يا إلهي، أريدك أن تساعدني في غير حين. "أنت تعرف كلّ شيء". زدني قوّة. أنت أردتنا أن نبقى نسعى إلى مدّ خلاصك في العالم، ولا سيّما للذين في البيت أوّلاً؟ أنت صوّرت أنّ هذا هو الالتزام الذي ترغب فيه لنا! لم تطلب المستحيل. أحببتنا حتّى المنتهى، وطلبت، إن رأينا أنّ أحدًا من أحبّائك يعوزه تذكير، أن نذكّره. ورسمت لنا سبيل التذكير بأن نكون إيقونة ما نقوله. ما نقوله، أي ما قلته أنت. هذا يجعلنا نرجو أن نرقص ابتهاجًا في ملكوت الله الحيّ، الحاضر الآتي. نرقص نحن والذين يذكرون أنّك أحببتنا.

هل أمشي على طرقات الناس أردّد بأعلى صوتي: "إنّني عبد لا خير فيه"؟ هذا لا أعتقد أنّه ينفع. ما ينفع، هو أن أسكن إلى كلمات الله العالية، كما لو أنّها، عندما خرجت من فمه، لم يكن ثمّة أحد سواي في الأرض. المحبّة، التي دعوت نفسي إلى تنفيذها، لا تسأل عن استحقاق بشر. وإن كنت أعلم أنّ هذا لا يسمح لبشريّ، يعلم أنّه لا يستحقّ شيئًا، بأن يطلب أن يُحبّ، فشأني أن أذكر أنّه لا خير فيَّ، لربّما يذكر. كلّما أخذتُ كلام الربّ شخصيًّا، صوتي يعلو! وكلّما أُطيعَ يسوع، ثمّة بقعة من الظلام تُضاء!
ماذا أرى؟ لا يعوزني أن أفصح. ماذا؟ لا أريد أن أفصح. ثمّة أشياء كثيرة، أشياء كبيرة، أراها تتبختر هنا وهناك، وتفتك بعينيَّ. لا أريد أن أقتحم عيني أيٍّ كان. لكن، ثمّة آخرون يفتك ما يُرى بعيونهم وبآذانهم. أسمع بعضًا، هنا وهناك، يتكلّمون. يتبادلون الحزن، والأسف. وينتظرون، معًا، أن يغدق الربّ على كنيسته ما يرجوه لكنيسته. غريب أمر الخطايا! غريب كيف تصل أخبارها إلى هنا وهناك! غريب كيف تمشي بسرعة! كيف الكلمات البغيضة تمشي بسرعة؟ أحيانًا، لا تعادل مشيَها كلماتٌ أخرى. كلماتٌ أخرى، وضمنًا ما يخصّ حياة البرّ! الخطايا أقدامها فتيّة فتيّة! يا لألم الذين يحبّون الحقّ! كيف نردّ الغيظ عنهم؟ ماذا نقول لهم؟ لهم ولسواهم ممّن ما زالت أغصانهم غضّة؟ كيف لا يقصَف الغصن؟

الخطيئة، أيّ خطيئة، إعلان خروج على حقّ الله، وإعلان، مقصود عمومًا، أنّ الله لا يقوى على ترويضنا! هل ثمّة خطيئة، في الأرض، تفوق أنّ الله يعجز عن ترويضنا؟! كيف يمشي البرّ؟ كيف يعدو؟ كيف نذكر جميعنا أنّنا عبيد بطّالون؟ كيف يسود الله كلّ شارع وزقاق ودار، وكلّ فم وعينين وأذن؟
لا أحبّ التصوّرات. لكنّني أرجو أن يسعى عالمنا إلى أن يجدّد نفسه، أي أن يغدو يصدّق أنّ الله هو هنا فعلاً. يغدو عالمًا لا يخفي فيه أحد، أيّ أحد، "أنّنا عبيد لا خير فيهم". عالمًا يؤمن بأنّ الربّ قالها، لنرضيه بالطاعة. عالمًا يعتقد المطيعون أنّ بقاء الربّ فيه من مسؤوليّتهم! عالمًا يرغب في أن تفرح السماء. عالمًا يعلم أنّ السماء تفرح بخاطئ يتوب. عالمًا لا يهمّه فرح آخر. عالمًا يؤمن بأنّ الناس أوجدوا بعضهم إلى بعض، ليعينوا بعضهم بعضًا على أن تفرح السماء بهم. فقط فقط. عالمًا لا تهمّه نفسه، بل يهمّه الله. فقط. أن يفرح الله. فقط. عالمًا ممكنًا. على كل ما يرى وما لا يرى، عالمًا ممكنًا.

الحمد لله أنّني لستُ أعمى. هذا يجعلني أرجو أن أرى الكلمة تمشي على طرقاتنا! يجب أن يبقى رجاؤنا ثابتًا أنّ الله قد خلق عينينا، لنراه هنا فينا. نرضيه، ونفرح بسيادته فقط، أجل فقط.

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content