3ديسمبر

لبنان الجديد

يا يسوع، قال نبيّك في مزاميره: "علّمني أن أعمل رضاك". لا أُضيفُ إلى قوله إن قلتُ لك أنْ: علّمني أن أعمل رضاك في لبنان اليوم، في هذا القلق العميم الذي يحاصرنا فيه، في هذا الموت الذي يبدو لا نهاية له. كيف يُعمَل رضاك في بلدي، يا إلهي؟ تراني، مثل الناس، إخوتي وأصدقائي، مثل هذا المدى الذي مُسخ جَماله، الذي يُدمَّر، تراني مدمَّرًا. أنا أعرف ما يرضيك. أنت قلتَ ما يرضيك منذ البدء. قلتَ أن نحبّك، ونحبّ جميع الناس. الذي أقوله أن علّمني أن أعمل هذا الرضا في لبنان. قف أمامي. كلّمني بكلماتِ فيك. ثمّ خذْ بيدي إلى كلّ ما يرضيك.

أن أحبّك، أنا أحبّك. ولكنّ الناس في بلدي قصّتهم قصّة. لا أريد أن أستبق. لكن، قصّتهم قصّتك! الحياة ضاقت بهم كلّهم بأجمعهم. كيف السبيل إلى إقناعهم أنّ الحبّ حقيقيّ؟ قبل القتل ودمار الأبنية والشوارع، التاريخ والجغرافيا، قبل كلّ ما يحدث من غضب، الناس، في لبنان، واحدًا واحدًا، كلّهم مدمَّرون أيضًا. نحن كلّنا بتنا في بلدنا صورةً طبق الأصل بعضنا عن بعض. طريقنا واحد. مصيرنا واحد. كلّنا نحيا في هذا البلد الذي يشبه أيّ شيء سوى أنّه بلد. بلدنا بناء مُعْتِم يتهاوى لا كوّة فيه لدخول النور، بلد الأنانيات الذي لا يجد الأقوياء فيه لذّةً تفوق لذةَ أكل لحم فقرائه، بلد للطرد، بلد للموت. هذا كلّه أُضيفَ إليه هذا العدوان الغاشم الذي لا يقوى العالم على أن يوقفه. الناس، هنا وهناك، تشرّدوا على الطرقات. ربع بلدنا صار على الطرقات. بعض المشرّدين التحقوا بأقارب لهم، وآخرون في أبنية لن تنفعهم في غد قريب… هذا وطن للحبّ، أعرف. علّمني.

يا يسوع، أنت اختبرتَ ما نختبره في لبنان. لا أغري نفسي بأنّنا نشبهك. هذه حقيقة وجودنا. نحن نشبهك في مسيرتك الطويلة التي مشيتَها من ميلادك إلى نزولك في القبر. أنت، قبلنا جميعًا، اختبرتَ التشرّد والطرد وبغض الناس لك، أينما انوجدت. اختبرتَ الجوع والفقر والعطش والوجع المرّ. عُيّرت، سُرقت، حيكت حولك الدسائس والمؤامرات، ومشى بك شعب، يفترَض أنّه ينتظرك، إلى حتفك. أنت لبنانيّ مثلنا تمامًا! هل أبسّط الرضا؟ هل أجعل هذا البلد قابلاً كلّيًّا للحبّ؟ ليس من بلد يصلح للحبّ مثل البلد الذي نراك فيه أو الذي يرى نفسه فيك!

يبقى لنا طريق النصر الذي أحرزتَهُ أنت. الإنسان في لبنان، ليكتمل شبهه فيك، يحتاج إلى أن يقوم. هل من قيامة لنا؟ لا أريد أن أبتعد عن كلمتي، عن طلبي الذي ساقني إلى هذا الدعاء، عن أن تعلّمني أن أعمل رضاك، عن أن أحبّك أكثر وأحبّ الناس أكثر، هنا في لبنان. أعتقد أنّه من علمك، من العلم الذي يرضيك، أن أقول لك أن تفعل أنت ما أطلب أن تعلّمني إيّاه. أليس من رضاك أن نغرق في الدعاء لك من أجلنا ومن أجل هذا العالم الذي نحيا فيه؟ هذا بلد لا يقيمه شيء فعلاً سوى أن نؤمن كلّنا أنّك قيامتنا. لا أتنازل عن العمل الذي سمعتَني أطلبه. في تراثنا الدعاء عمل، والعمل مدّ للدعاء. أضع الأساس الذي يقوم عليه كلّ عمل، ليبقى المجد لك وحدك.

يا يسوع، يا سلام لبنان وسلامنا في لبنان، أنت علمي وعملي. اقبل دعائي لك اليوم دعوةً إلى أن تجعل منّي إنسانًا ذا معنى. كلّي لك. قلبي لك. مطرحي لك. ما دمتَ لبنانيًّا كما تبدو لي، احمل لبنان إلى سلامه ونصره. إن انكشفتَ أكثر فأكثر أنّك واحد منّا في لبنان، لا يقوى علينا شيء. العالم يريدنا أن نموت أو أن نرحل. أنت هنا، إلى أين نرحل؟ أنت أوجدتنا هنا من أجل أن نبقى معك، لك، من أجل أن نحبّك هنا ونحبّ الناس الذين معنا. في اشتداد البغض، قوّنا في المحبّة. هذا يصنع لبنان الجديد.

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content