نضع بين يدَي قرّائنا الأعزّاء عددًا جديدًا من مجلة النّور ترتيبه ثانٍ بين الأعداد الثمانية المنوي صدورها، بإذن الله، في هذا العام. هو عدد توثيقيّ يضمّ بين دفتّيه بعض ما قالته أو سعت إليه حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة خلال العام 1996. هكذا كان الوعد أن تحمل صفحات النور ما يكتب خصيصًا لها، على أن تفرد، في كلّ سنة، عددًا يحمل، لمن لم يستطع المشاركة في لقاءات المراكز أو الندوات والمحاضرات والمؤتمرات...، صوتَ الإخوة وتأملاتهم وهواجسهم... ليكون النور مكشوفًا للجميع.
هي مجلة، والمجلّة عند العرب هي "الصحيفة فيها الحكمة"، وتأتي من فعل "جلّ" ومنه "تجلّى". تسعى "النّور"، على قدر استطاعتها، إلى أن يُكشف نور الله ويتجلّى في "الأزمنة الرديئة"، أي في الزمان الذي تسوده الظلمة. هذه هي باختصار غاية برنامجها على اختلاف الأبواب والزوايا، والغاية هنا رجائيّة، ذلك أن النور الذي نقصده يأتي من الذي قال: "أنا نور العالم". غير أن التراب يأتي دائمًا من الأرضيّين، ولذلك لا بدّ من الاعتراف أن ليس كلّ ما يُنشر في النور نورًا هو، ولكنّ هذا لا ينفي السعي الدائم، ولا يُبطل تاليًا أن يكون هدف المجلّة تلمّس نور المسيح.
والنّور الحقّ يخترق البلّوريّين، هو ليس ملك الناس ولكنّه يعبر منهم على قدر ما يكونون هم شفّافين، ولذلك لا يحجبه الذين فهموا أن المسيح هو كلّ الدنيا... مبدأ الحياة وغايتها. هذا هو الأساس الذي جعل يسوع يقول للكنيسة: "أنتم نور العالم"، أي أنتم مثل المصباح حاملو النور، وهذا بلا شكّ لا يرتبط فقط بالكلام المنقول شفاهًا أو كتابةً وإنّما بالسلوك أيضًا. القضية في عمقها قضية طاعة لذاك الذي قبل أن يلبس جبلتنا لتلتحف البشريّة بالنّور.
قد تزعج الكلمة-النّور الكثيرين، هذا لا علاقة له بالمتكلّم لأنه لا يملك شيئًا. هو بالحقيقة يخاف أن لا تزعج لأنه إذ ذاك يكون قد أفرغ الكلمة من قوّتها، بسّطها ليكون "للمستريحين" عذر.
لا ريب أن انتشار الفكر الخلاّق هو من الأمور التي توحّد الأخوة وتمتّن التلاقي. وهذا يتمّ عبر المساهمات التي تفعّلها المراكز الحركيّة إنْ كتابة أو بالحوار الدائم أو اللقاءات التي تقيمها مع الشعب الأرثوذكسي حول المواضيع الكنسيّة. وقد لاحظت الحركة، منذ ما يزيد على خمس وعشرين سنة، في مؤتمرها الثالث عشر في الوثيقة التي أُقرّت تحت عنوان "الإعلام"، أن فاعليّة المجلة ترتبط أيضًا بتوزيعها، وهذا يتعلّق أوّلاً بالأعضاء الحركيّين، ليس المقصود فقط أن يشتركوا هم بالمجلة وبمنشورات النّور - وهذا أمر مفروغ منه - وإنما بتوزيعهما أيضًا. لا بدّ من الإقرار بأن ثمّة مشكلة توزيع في بعض المراكز تعانيها المجلة، حاول المؤتمر المذكور أن يحلّل أسبابها، غير أننا لا نكون صادقين إن لم نعتبر أن واحدًا من أهمّ الأسباب هو الإهمال. إن كانت المجلّة وبشهادة المثقّفين - وهذا نقوله بتواضع - مرحّب بها، وهم يقولون إنهم ينتظرونها، فما هي العقدة المتبقيّة. إن كان من انتقادات بنّاءة فلترسل إلينا، حتّى لا نعتقد أن المشكلة لا تتعلّق فقط بتوزيع المجلّة وإنما بنقل الكلمة الإلهيّة عمومًا.
ليس من مؤمن حقيقيًّا ولا يهزّه أن يكون الرّبّ معروفًا ومحبوبًا في العالم، هذه هي القضيّة النّور. لا ننسينّ أن الله يأتي إلى ليل الناس نورًا ليضيء "للذين في الظلمة وظلال الموت"، ليحيي العالم بكلمته التي أنوارها أسمى من الكواكب المنيرة وأبقى. وأن الناس، تاليًا، يذهبون وتبقى الكلمات الحقّ نورًا، يطيعها مَنْ أحبّ الله أكثر من الدنيا. ويأتي في كلّ زمان مَنْ يعرف أن ينبش التراب ليغنيه الكنز الدفين.
(النّور، العدد الثاني/التوثيقي، 1997)