حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة - مركز جبل لبنان
لقاء مع مرشدي الثانويّين، ١٤ حزيران ١٩٩٨
تكلّمت حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة كثيرًا على الإرشاد والمرشدين، وعلى التعليم والبرامج (راجع: أنطاكية تتجدّد، ص 425- 431). لن أقدّم، في هذه الأمسيّة، اقتراحًا لبرنامج عمل فرق الثانويّين. لكنّي سأحاول، بعون الله، أن أُعطي بعض الملاحظات أو الاقتراحات العمليّة التي أرجو أن تساعدكم في عملكم.
- أوّل ما يهمّني أن أشير إليه هو أنّ المسؤول، أو المرشِد، إنسان ملتزم يستقي من كنيسته تعليمَهُ وكلّ ما يقوله أو يفعله. وهذا يعني أنّه، واعيًا، لا يخلط بين آرائه وما يرتاح إليه أو يناسبه مثلاً، والتعليم الإلهيّ، لا سيّما إذا كانت آراؤه لا تعبّر فعليًّا عن التعليم القويم. هذا أمر لا يقبل النقاش. فرأيك هو رأيك. وأمّا من حيث إنّك مسؤول عن بشر، هم أبناء الله، فأنت تأتي إليهم من الله وفكره. تنقل إليهم فكر إلهك، وتطيعه، وتساعدهم على حفظه وطاعته في حياتهم. وهذا، بدءًا، يفترض أن يكون المسؤول (أو المرشد) يعرف تعليم كنيسته، ويحيا بموجبه في آن. إذ ليس من فرق إطلاقًا بين القول والحياة. أنت لا يمكنك أن تقنع أحدًا بفضيلة من الفضائل إن لم تكن أنت نفسك مقتنعًا بحقّها وفي مسعى دائم إليها.
- الفرقة هي "جماعة إفخارستيّة"، وأعضاؤها هم خراف المسيح الراعي الأوحد، وهو يعرفهم واحدًا واحدًا، ويحبّهم على الرغم من ضعفاتهم. قال أحدهم إنّ "الراعي يعرف رعيّته من عيوبها"! ولذلك، شأنك، مرشدًا، ألاّ تميّز بين عضو وآخر، وأن تحبّ الذين هم، برأيك، خطأة أو لا يستحقّون اهتمامًا، وأن تدرك أنّهم لا ينتفعون، فقط، في ما تقوله لهم، بل في متابعتهم في حياتهم أيضًا. وفي التزام هذين الأمرين (التعليم والمتابعة اليوميّة)، تؤكّد أنّك تعمل عمل الله، وتاليًا ما ينفعك أنت شخصيًّا. فالمرشد يُجازى على كلّ خير، ويدرك، تاليًا، حضور الله، أكثر فأكثر، من توبات تتكشّف له أيضًا.
ما قاله المؤتمر الحركيّ السابع دليلنا في هذا المسعى. نقرأ: "مرشد الفرقة يتّخذ حياة الفرقة، ويدير اجتماعاتها كلّها، ويكون على اتّصال وثيق بأعضائها جميعهم" (أنطاكية تتجدّد، صفحة 426). لا أظلم إن ذكرت أنّ ثمّة أناسَا بيننا يظهرون أنّهم يحبّون الأذكياء أو الأتقياء ومَن إليهم...، ويفضّلونهم على مَن هم أقلّ ذكاء وتقوى. يجب أن نعرف، تمام المعرفة، أنّ ربّنا يسوع، له المجد، ما كان يفضّل وجهًا على آخر. وقد عبّر في رسالته أنّه أتى من أجل الخطأة والمنبوذين والمهملين...، وممّا قاله: "الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب". هذا، باعتقادي، يجب أن يكون عنوان خدمتنا دائمًا. إنّنا لن نكون مسؤولين حقيقيّين، أي الله اقامنا، إن لم نهتمّ، أوّلاً، بمَن هم، برأينا، أكثر خطأً وتصلّبًا في رفضهم الربّ ومشيئته. هؤلاء لهم حياتنا، ومن أجلهم، تحديدًا، نحن موجودون اليوم. وأقول أكثر من هذا. أقول إنّ المسؤولين الحقيقيّين في كنيسة المسيح (وهذا يؤكّده تراثنا) يعتبرون أنّهم لو كانوا أكثر محبّة وإخلاصًا لكانت خطايا الناس أقلّ.
- أعمق أدوار المسؤول أن ينسكب على الشبيبة وأفكارهم وتربيتهم وطموحاتهم والتحدّيات التي يواجهونها أو تواجههم، ويسعى إلى أن يحوّلهم إلى الله. أن نصل جميعنا إلى الله، هذا هو الغاية. ولعلّ أعظم عدوّ، في هذا السياق، أن يترك المسؤول أعضاء فرقته يقفون عند شخصه، ولا يدعهم يتخطّونه إلى ربّه وربّهم. المسؤول جسر يطأه الناس، ليصلوا إلى الربّ، إلى الغاية. ومن مظاهرِ وعيهِ أنه جسرٌ ثقتُهُ بالربّ، وتاليًا تقديمُهُ الربَّ للأخوة كما عرّف الربّ عن نفسه. هذا العدوّ العظيم لا أخترعه من نفسي، يمكنكم ملاحظته بسهولة، ولا سيّما في تجربة التسلّط هنا وهناك. قال المطران جورج (خضر): "كلّ وظيفة إرشاد تحمل طاقة فسادها في نفسها، عنيت بها تجربة التسلّط" (حديث الأحد، 1970، صفحة 328). وثمّة تاليًا مَن يعتقد أنّ الله وفكره "موضة قديمة". هذا عدوّ آخر وتجربة فظيعة. ولذلك، ترى بعضًا يروحون ويجيئون أمام فكرة ما أو وصيّة قالها الله، ويحاولون أن يخفّفوها لئلاّ ينزعج السامعون، أو لأنّها تدينهم هم. مَن قال إنّ الناس أحكم من الله؟ وهل نعتقد أنّ الحكمة البشريّة أو المنطق البشريّ هما اللذان يحوّلان الناس، أو أنّ الروح القدس الذي يرشد الناس إلى كلّ ما قاله المسيح؟! ليس من محوّل آخر. إنّه الروح القدس الذي يأتينا بالمسيح نفسه. ولا ننسى أنّه هو الذي يحوّلنا ويقيمنا في مواقعنا.
- من الأهمّيّة بمكان أن نعي أنّ ثمّة خصائص معيّنة ومميّزات لكلّ منطقة (مدينة أو بلدة أو قرية)، وأنّ ثمّة نشاطات تهمّ الناس الذين يقطنون فيها. وكلّ معلّم قدير في الكنيسة هو مسؤول عن أن يعرف الناس الذين يكلّمهم، ويعرف خصائصهم واهتماماتهم، ليعرف كيف يدعوهم إلى الحقّ، وتاليًا ليساعدهم على تجنّب كلّ خطأ أو كسل أو غربة. قرأت، في كتاب، عن مرشدة كاثوليكيّة قالت للكهنة ما معناه: "ما ينفعكم في مخاطبة الناس بكلمة الربّ، هو أن تقاربوهم في حياتهم اليوميّة". لا شكّ في أنّ ثمّة قالبًا بشريًّا للكلمة الإلهيّة يخصّ كلّ جيل في كلّ زمان ومكان. وما يجعلها نافذة، هو أن نعرف الناس في مواقعهم. والناس يختلفون بين منطقة وأخرى، وتختلف اهتماماتهم (ولذلك كان الأنفع في العمل الحركيّ أن يكون المسؤولون من المنطقة ذاتها). لعلّكم تذكرون أنّ الرسول بولس، على سبيل المثال، في رسالته إلى تلميذه تيطس استشهد بشاعر من مدينة كريت، المدينة التي كان تيطس مسؤولاً عنها (راجع 1: 12)، وهذا يدلّ على أنّ الرسول كان يعرف الناس، الذين ينقل لهم كلمة الله، وأحوالهم وثقافتهم وخصائصهم، معرفة عميقة. وكان يستعمل هذه وتلك، ويسخّرها ليقرّب الناس إلى الله الواحد.
أمّا من جهة نشاطات المناطق التي قد تؤخّر الناس عن الالتزام الكنسيّ، ومنها: النشاطات التي تنظّمها المدارس، والمؤسّسات الكشفيّة، والنوادي الرياضيّة وغيرها، فهذه جميعها (أو بعضها) قد تجتمع في منطقة واحدة. ولذا، فإن كلّ عمل كنسيّ ناجح يقتضي درس المناطق درسًا جِديًّا، وأن نعرف كيف نبتكر ما يجب ابتكاره - من دون أن نخرج على الحقّ - لنجذب الناس إلى المسيح سيّد العالمين وربّهم.
- ولعلّ الأمر الهامّ أن ندرك أنّ معرفة عائلات الشباب الذي نعاملهم (أهلهم وأخوتهم) معرفة شخصيّة تُسهم في تَقَدُّمِ الإنجيل الذي نخدم (أعرف شابًّا لم ينتسب إلى الحركة لأنّ أخته الحركيّة كانت تترك أمّها المريضة تعمل أعمال بيتهم وحدها). ولا شكّ، أيضًا، في أنّ هذه المعرفة تساعدنا على معرفة أعضاء فرقنا ومواهبهم وعيوبهم عن كثب. فنحاول أن نرشدهم هم أنفسهم إلى الحقّ.
بعض التوجيهات الأخيرة:
- المرشد هو مَن لا يرتجل في الاجتماعات.
- هو الذي يحبّ جميع أعضاء فرقته ويهتمّ بالجميع اهتمامًا شخصيًّا، ولا يفرّق بينهم.
- هو الذي يعرف أن يسمع الأخوة، ويساعدهم على الاستقامة فيما هم يتكلّمون، أي يساعدهم على أن تكون مداخلاتهم في الاجتماع شهادة للربّ، وهذه يمكن أن تساعدهم على الشهادة لاسمه في الخارج. وما من شكّ في أنّ المرشد، الذي لا يترك سواه يتكلّم في وقت الاجتماعات، فأعضاء فرقته لا ينمون. عدوّ النموّ هو الشكل والنمط المدرسيّان. فما يجب أن نتوخّاه، هو أن تكون فرقنا كلّها "جماعة دراسة مثقّفة تعرف أن تنمّي الإنسان في شخصيّتها وتوعّيه".
- "كلّ قسر مبيد للشخصيّة". ولذا، قد تجدون عند الأعضاء أحيانًا "ألوانًا من الرفض"، فيجب ألاّ نعاديهم على رفضهم، ونثق بأنّ "في بعض الرفض انعتاقًا" (حديث الأحد، صفحة 329).
- الاجتماعات (أو الجماعات) الناجحة هي التي توظّف أعضاءها في خدمة الكلمة، أي البشارة. الفرقة الحركيّة لا تضمّ جماعة منغلقة. الخطران الحقيقيّان اللذان يهدّدان كلّ جماعة شاهدة، هما: الانغلاق والانفلاش. قال لي أحد المسؤولين: "إنّني بدأت أفهم مسؤوليّتي جيّدًا منذ أن دخل فرقتنا أعضاء جدد".
- يسيء إلى اجتماعاتنا أن نتكلّم بالسوء على الآخرين، أيًّا كانوا من كنيستنا أو من غير كنيستنا، مسيحيّن أو لا. وإذا كان كلامنا جارحًا، وأعضاؤنا جددًا أو ضعفاء، فلن نُفهم خطأ فقط، بل قد نعثرهم أيضًا. الشيء الرئيس أن نذكر، دائمًا، أنّ أفواهنا مُيرنت من أجل أن نتكلّم لغة المحبّة الشاملة فقط.
- فرقنا مختلطة، وهذا التنوّع شدّدنا عليه منذ سنوات لما فيه من إفادة جمّة لنموّ الجنسين الطبيعيّ. غير أنّ هذا الاختلاط متعب، ويضطرّ خصوصًا المرشدين إلى الانتباه كثيرًا.
- من الخصائص الهامّة لكلّ لقاء أن يقسّم إلى قسمين:
1- دراسة مقطع إنجيليّ،
2- دراسة موضوع كنسيّ أو اجتماعيّ...
ثمّة أمور وأنشطة أخرى، أنتم تعرفونها وتتمّونها. ولكني أردت التركيز، في اجتماعاتنا، على هذين النقطتين لأهمّيّتهما معًا.
- من المهمّ أن يدعو المرشد الأخوة إلى الصلاة، في كلّ يوم، وخصوصًا بعضهم من أجل بعض، وأن يصلّي هو من أجلهم.
أختم بقولي إنّ الإرشاد (أو التعليم)، هو موهبة من مواهب الروح القدس. يجب أن نعي أنّ الجسد لا ينمو إلاّ بتعدّد المواهب. ولربّما الدور الأهمّ، الذي ينتظر منّا، هو أن نكتشف المواهب، ونسعى إلى تنميتها. إذ ليس لأحد أن يقول لأخيه: "لا حاجة بي إليك". وأيّ شيء آخر، يخالف الحقّ الظاهر، من واجبنا أن نتعاضد من أجل أن نسحقه بالحبّ والجهد والصبر من أجل "بنيان الجسد" (الكنيسة).