رأيتُهم. كانوا ثلاثتهم، طفلتَين وطفلاً، أمام بناء يديره أبوهم. الطفلة الكبرى، التي لا تتجاوز العاشرة من عمرها، كانت تدندن أغنيّةً لمطرب من بلدها. أمّا الوسطى، فتمسح لأخيها الصغير، بمحرمة من ورق، شيئًا عن فمه. هذه صورة عن الغربة التي يعانيها أولادنا في غير مكان. يُخلَق الإنسان في مكان. هذا مكان عيشه إن لم يُطرَد منه مثل آدم، أو ينقله الله إلى آخر مثل إبراهيم... هنا، المكان، مكاني، الذي يمكنني فيه أن أستند إلى أهلي وأصدقائي، الذي أولادي يجدون فيه عواطفَ قريبةً تسهم في بنائهم. ذكرتُ الطفلة التي ترعى أخاها. لا أعرف إن كانت رعايتها أمرًا واقعًا دفعَها إليه انشغالُ أمِّهم في أحد بيوت البناء، مثلاً. ما أعرفه أنّ هذه الصورة، التي أراها هنا في أحيائنا في كلّ يوم، تزيد من دعائي إلى الربّ أن يردّ عنّا كلّنا أثقال الغربة.
جميع الحقوق محفوظة، 2025
Powered by Wiz Consults