مَنْ هو هذا الشابّ المتقشّف الذي يصرخ في البرّيّة: توبوا؟ يوحنّا المعمدان؟ مَنْ يعني؟ شهرته تبديه ذا سلطان. يأتي كلّ الناس إليه. ويتكلّم على آخر أعظم منه! مَنْ هو هذا الآخر أيضًا؟
حاولت أن أقترب، لأرى ما يجري بوضوح. كان يوحنّا منشغلاً بسكب الماء على رؤوس الناس. كثيرون مرّوا مرورًا عاديًّا. لكنّ واحدًا، عندما وقف أمامه، انشقّت السماوات، ونزل عليه الروح كما لو أنّه حمامة، وسُمع صوتٌ يقول عنه إنّه ابنه الحبيب. هل هذا الآخر هو ابن الله؟ مَنْ يعرف؟ أردت أن أعرف. لكنّه اختفى في البرّيّة. لم أجرؤ على أن أتبعه. هذه بريّة تعجّ بالوحوش. ماذا دخل يعمل؟ ومتى سيخرج؟ أريد جوابًا عن سؤالي. ماذا عساي أفعل؟ هل أنتظر؟ سأنتظر.
مرّ أربعون يومًا. وخرج. في غيابه، حدث أمرٌ أظنّّه سيحزنه: "اعتُقل يوحنّا"! خرج، وتبعتُهُ. ذهب إلى الجليل، وأخذ ينادي بالتوبة أيضًا. ثمّ بدأ يختار له تلاميذ. كلّ مَنْ ناداه، تبعه من فَوره! ثمّ دخل مجمعًا في كفرناحوم، وأنقذ رجلاً من أسر الشيطان. كان هذا كافيًا، ليذاع صيته. صار الناس يأتون إليه بمرضاهم. شفى كثيرين. مرّ يوم. وفي فجر التالي، طلبه "جميع الناس". رأيت تلاميذه يبحثون عنه. وقالوا إنّهم وجدوه يصلّي في قفر. يبدو أنّه يحبّ القفار! لم يخرج إلى الذين طالبوا به، بل ساق تلاميذه إلى أماكن أخرى! طاف الجليل كلّه، يبشّر، ويشفي. استوقفه أبرص، وتوسّل إليه. شفاه. صار لا يستطيع أن يدخل مدينةً علنًا. غاب أيّامًا. ثمّ عاد إلى كفرناحوم. اجتمع الناس إليه في بيت. شفى مخلّعًا. كان يوم السبت. بعض الكتبة اعترضوا على أنّه شفى في السبت. أفحمهم. وخرج إلى شاطئ البحر. دعا عشّارًا. وهذا دعاه إلى بيته، وجمع إليه خطأةً كثيرين. يبدو أنّه لا يرفض أحدًا! كلّه جديد، حتّى تعليمه عن الصوم والسبت. سمعت أنّ المسؤولين الدينيّين بدأوا يكرهونه وما يقوله ويعمله، وأرادوا قتله!
بات الناس، أينما توجّه، يلزمون قربه. أتوه من الجليل واليهوديّة وأورشليم وأدوم وعبر الأردنّ ونواحي صور وصيدا. طلب زورقًا يلازمه، ليخاطب الجموع. ثمّ اختفى. عرفت أنّه أكمل عدد تلاميذه، اثني عشر. وما إن ظهر، حتّى عاد الجمع إليه. وأتى ذووه أيضًا. قالوا إنّه مختلّ! ثمّ أتت أمّه وبعض أقاربه. كان يعلّم في منزل. لم يخرج إليهم، بل روى حكاياتٍ حلوةً، منها عن الزرع وحبّة الخردل. ثمّ دخل وتلاميذه البحر. لم أستطع أن أتبعه. لكنّي علمت أنّ ريحًا هوجاء كادت تغرق سفينتهم. وأنقذهم! كان صعبًا عليَّ أن أحلّل توجّهاته. صدمني كيف يترك الجمع، ليقصد مريضًا واحدًا في ناحية الجراسيّين، ثمّ يمشي مع رئيس مجمع، ليحيي له ابنته، وعلى الطريق يشفي امرأةً منزوفة. مَنْ هو؟ ما سرّه؟
ثمّ جاء إلى الناصرة. ازدراه أهل بيته. طرد نفسه، وأخذ يعلّم في قرًى مجاورة. بدا يكره القنية. وأوصى بهذا تلاميذه قَبْلَ أن يرسلهم، ليعلّموا، ويشفوا. سمع بأخباره هيرودس الملك. ظنّ أنّه المعمدان الذي كان قد قطع له رأسه. وبعد أن رجع تلاميذه، اجتمع إليه كثيرون. فأطعمهم جميعًا خبزًا وسمكًا. ثمّ ابتعد، وألزم تلاميذه أن يركبوا السفينة. واعتزل يصلّي. في الصباح، شاع أنّه أتاهم على البحر ماشيًا. ثمّ عاد إلى التجوال تعليمًا وأشفية. زاد كره أعدائه له. وليمسكوه، أخذوا يجادلونه في أمر سنّة الشيوخ، والطاهر والنجس. أفحمهم أيضًا. ثمّ شفى فتاةً من بلادنا. وبعدها أصمّ. وبعد أن أطعم الجموع من جديد، شفى أعمى من بيت صيدا. ثمّ اختلى بتلاميذه. قيل إنّ أحدهم اعترف بأنّه المسيح. هل هو؟! وقيل إنّه كشف لهم أنّ أعداءه سيميتونه، لكنّه سيقوم في اليوم الثالث! بعد هذا، انفرد ببعضهم. لم أعلم أين ذهبوا. لكنّي رأيت نورًا عجيبًا يخرج من جبل عالٍ. ثمّ ظهر. وطرد شيطانًا عن صبيّ مصروع. وفيما كانوا على الطريق، أخذ تلاميذَهُ جدال في مَنْ هو الأكبر. انفرد بهم أيضًا. وسُمع أنّه اختار طفلاً، وحثّهم على أن يتشبّهوا به. ومنع من أن يكون واحدٌ عثرةً لغيره. وفي اليهوديّة، تحلّق الناس حوله من جديد. أراد الفرّيسيّون أن يُحرجوه بكلامٍ على الطلاق. أظهر لهم أنّ ثمّة وصايا كتبت كُرمى لقساوة قلوبهم. وبعد أن نادى بقبول الأطفال، أتاه شابّ غنيّ يسأله عن ميراث الحياة الأبديّة. أحبّه يسوع. لكنّ ذاك صعب عليه أن يترك كلّ شيء، ويتبعه! هذا دفعه إلى أن يكلّم تلاميذه على الغنى الحقّ، فيحبّوه أوّلاً! ثمّ أنبأ بموته من جديد، وبموت بعض مَنْ معه! وكانت وصيّته لهم أن يخدموا. ثمّ شفى أعمى. وهذا تبعه!
قربت النهاية. أمّا هو، فكان لا يهدأ. لعن تينةً عقيمة. ثمّ دخل أورشليم يبحث عن ثمر لم يجده. طرد الباعة من هيكلها. كانت غيرته عظيمة. سأله أعداؤه عن سلطانه. لم يجبهم. وفضحهم بقصّه روايةَ "الكرّامين القتلة"! نصبوا له بعض فخاخ: عن أداء الجزية، وقيامة الموتى، والوصيّة العظمى. ونجا منهم. ضاق وقته. حاول أن يكشف أنّه ربّ داود. لم يفهموا. وبّخهم بتفضيله أرملةً فقيرةً عليهم. ثمّ أنبأ بخراب هيكلهم ودمار مدينتهم. عاد لا يُحتمَل! روى حكاياتٍ أخرى. كان يريدهم أن يتّعظوا قَبْلَ النهاية، نهايتهم. لكنّهم أصرّوا على أن ينهوا أمره. اخترقوه بتلميذ عاقّ، يهوذا الإسخريوطيّ. علم. جمع أتباعه على مائدة أخيرة، وقدّم لهم حياته وحبّه. وبعد أن خرج وإيّاهم إلى بستان الزيتون، اعتُقل. وحُكم عليه بالموت صلبًا. وَقَبْلَ أن ينفّذ الحكم، أنكره تلميذ آخر، بطرس! واجه الموت وحده. وغلبه، كما وعد. قائد المئة، الذي كان يوم صلبه واقفًا أمامه، قال: "كان هذا الرجل ابن الله حقًّا!". إلى مَنْ وجّه قوله؟ هل علم بسؤالي؟ هل كان يسافر مثلي؟ هل يجيبني أنا؟ حسنًا، عرفت!
كان سفري يعجّ بالحركة والكشوفات المحيية. وينبغي لي أن أعود مع العائدين إلى الجليل. ينبغي لي أن أعيد سفري من جديد، لربّما مَنْ عرفتُهُ يختارني تلميذًا له، فأشهد له بأنّه المسيح ابن الله الحيّ!