التقيتُ بأناسٍ عديدين من بلادنا تركوا إلى هنا. لفتني من أحاديث خضنا فيها أنّ هناك أناسًا من بني جلدتنا طلّقوا الارتباط بتراثهم. العالم، إن قبلتَ أن يعرّيك من نفسك، لا يُبقيك بخير، بل يبتلعك، يُبقي منك ما لا يُذكَر! لا أسفّه أحدًا. الذي أقوله واحد: "أينما كنتَ، أنت تراثك". أتكلّم على التراث الإلهيّ والإنسانيّ. إنسانٌ مثلاً يهجر ارتباطه بكنيسته، يهجر صلاته وصومه، يهجر أنّه مسؤول عن خدمة الناس، يقطع كلّ علاقة بالأمكنة التي جاء منها، بهموم أهلها، بأمّه وأبيه…، لا يحيا في الغربة فقط، بل تحيا الغربة فيه أيضًا. قال لي أحد الأصدقاء الذين تحدّثتُ معهم هنا إنّ "فلانًا ردّ عنّي الجنون". لا تعرفون ما الذي فعلته بي هذه الكلمات. سمعتُ عن أصدقاء في الغربة أنّهم، قبل أن تستقرّ أحوالهم، ذاقوا الأمرَّين. هذا برنامج عمل كامل للصالحين. جوهر تراثنا، أينما كنّا، أن نقضي على الغربة فينا وفي الآخرين.
جميع الحقوق محفوظة، 2025
Powered by Wiz Consults