أمس، نزل المطر على مدينة بيروت. مرّةً، قال لي صديق مهاجر بثقةِ عاشق: "إنّي، في المدينة البعيدة التي أحيا فيها، كلّما عاد الشتاء إلى بيروت، أحسد نقاط المياه التي تلامسها"! أمطرت عيناه قبل أن يضيف: "لا أعتقد أنّ هناك، في الكون كلّه، أطيب من رائحة بيروت". عجيبة هي بيروت، فعلاً! على كلّ ما يحدث فيها من مآسٍ، تبقى لرائحة المدينة قدرتُها على أن تطرد، بلحظة واحدة، بنسمة واحدة، أيّ رائحة أخرى لا تعبّر عنها. لم يكلّمني صديقي على سرّ بيروت. الأمور، التي لا تحتاج إلى كلام، لا يقلّل من حضورها صمتٌ عنها. مَن يجهل سرّ بيروت؟ كلّ مَن يعرف المدينة، كلّ مَن سكن فيها أو زارها مرّةً، يعرف أنّ سرّها يكمن في قدرتها على أن تقوم دائمًا من أيّ ضعف. كلّما عدتُ إلى بيروت من بعد سَفَر، تظهر لي أنّها كانت تنتظرني. العشق لا يُحتكَر!
جميع الحقوق محفوظة، 2025
Powered by Wiz Consults