جاء من لبنان الذي قضى فيه زيارةً نحو شهر. قعد أمامي في قاعة دارنا، وأخذ يخبرنا عن الأحوال في البلد. رأيتُهُ، كما لم أره من قبل، حائرًا، قلقًا وحزينًا. كان كلّه أسير ما يجري عندنا في هذه الأيّام. أخبرنا عن قريته في البقاع وعن الجنوب وبيروت... بكى عندما روى لنا عن الذين رآهم يفترشون الطرقات في بيروت هربًا من قذائف الموت. قعدنا نحو ساعتَين. لاحظتُ أنّه كان ينتفض على وقعِ أيِّ صوت، صوت طائرة عابرة أو جلبة في البيت... لم ينقل إلينا اضطرابه. منذ بدء العدوان على لبنان، كلّنا، هنا، في هذا البلد البعيد، أجساد تتحرّك مع كلّ صوت! "الأجساد" انتماؤها! قال لنا بفمه وعينَيه: "الذي يحدث في لبنان اليوم لم يحدث مثله من قبل، لا في "حرب تمّوز" ولا في غيرها. شيء لا يُصدَّق فعلاً. لبنان كلّه تحوّل إلى بحر وسماء، إلى دموع وصلاة". لم أختبر من قبل، بهذه الواقعيّة الجارحة، أنّ البلد، عندما نتركه، لا يتركنا!
جميع الحقوق محفوظة، 2025
Powered by Wiz Consults