فَهِمَ غريب موطنَهُ الحقيقيّ. فلقد تعلّم أنّ سرّ تدبير الله الخلاصيّ لا يفهم فهمًا تامًّا، أو يكمل حقّه، إلاّ بانعكاسه على شعبه. الله فعل ما فعل من أجلنا. وُلِدَ ابنُهُ لنولد فيه. ومات وقام لنموت عن كلّ شرّ، ونقوم معه إلى حياة جديدة. وصعد إلى السماء ليعدّ لنا مكانًا فيه. وأرسل روحه القدّوس لنفهم حقّ ما فعل، ونعرف، في قلوبنا، أنّه مقيم فينا إلى الأبد. وهذا جعله يحيا، في الأرض، غريبًا طبق اسمه.
هاجر، مرّةً، إلى بلاد بعيدة، ففهم، بعمق، معنى ما تعلّمه. ولمّا عاد ظهرت، جليًّا، بلاغته التي كانت فيه. واختار له شريكة لحياته تجاريه في غربته. ووقعت عليه "القرعة"، فخصّص حياته لله، وكلّيًّا لله. وقاد بعض أترابه لينقل إليهم الفهم الذي سكن قلبه.
كان، وما يزال، يقول لهم: إنّنا من فوق، وهذا شرف لن نستحقّه إلاّ إذا أتممنا العمل الذي كلّفنا الربّ به. وما صار للسيّد يصير لنا إن قبلنا نعمه الوفرة، وأطعناه، وأخلصنا له. فالنعمة التي نلناها مجّانًا، إن ثمّرناها حقًّا، يسمح لنا الله بأن نجترئ ونرجو فرحه الأخير ومجد وطننا الحقيقيّ.