5يوليو

المطران الإيقونة

عندما دخل صاحب السيادة المطران سلوان (موسي) أبرشيّة جبل لبنان راعيًا جديدًا لها، استراح أوّلاً في قاعة كنيسته في برمّانا يستقبل المهنّئين. تذكرون جرسه. الذي أطلب أن نذكره الآن هو السؤال الذي طرحه على أحد الوفود أن يعطوا ثلاث قواعد للأسقفيّة في فكر المطران جورج (خضر). صار لي أن أساهم في الإجابة. اخترتُ أنّه أب وأخ وربّما قلتُ ثالثًا إنّه صديق. لم يسقط من فكري دوره أسقفًا في إمامة الأسرار والتعليم وخدمة "الإخوة الصغار" والأمانة على الشهادة ووحدة الكنيسة… لكن، يومئذٍ، أحببتُ أن أرى التراث تعبيريًّا من زاوية معلّمه، زاوية ربّه يسوع في علاقته مع تلاميذه. لا أحتاج إلى جهد في إبراز لما اخترتُ هذا الحصر الذي أحبّ أن أصفه بالرحب. الذي تعرفونه أنّ الربّ كان يهمّه أن يطلق فكره في كنيسته عبر رسله الذين اختارهم أوّلاً. كان يسوع لتلاميذه أبًا وأخًا وصديقًا. ساكنهم بالمحبّة التي هي هو. ذهب فكري إلى يسوع، إلى الإله الذي لا يمكن أن تفهم جورج خضر، في كلّ ما يعبّر عنه، إلاّ فيه. يقول تراثنا إنّ الأسقف إيقونة للمسيح. هذا تجده في المطران جورج، تجد التراث حيًّا في الشخص.

اليوم، استعدتُ جوابي. قبلتُهُ في ترتيبه وتفاصيله. لكنّي سأقول ما قلتُهُ في شكل آخر أترك لكم رجاء أن تلاحظوا أنّه آخر في التعبير أيضًا. أعرف كثيرين، إن ذكروا المطران جورج، يأخذهم أنّه معلّم كبير أو كاتب فذّ أو واعظ بديع أو شخص يشبه تمامًا موسى عندما كان في البرّيّة يقضي للشعب، أي شخص معطَى للناس، للكبير والصغير، للمتعلّم والأمّيّ، للفقير والغنيّ، معطَى لأيّ إنسان أيًّا كان دينه أو مذهبه أو موقعه أو جنسه… أو طلبه. أنحني أمام ما قلتُ إنّه يأخذ الناس، لا سيّما التشبّه بموسى. تذكرون بابه المفتوح. أجل، المطران جورج، في زماننا الحديث، مذكّر أنّ الأسقف مرجع للناس الذين يبحثون عن سند، عن كتف، عن جواب لسؤال، لأيّ سؤال، عن كلمة في أيٍّ ممّا يشغلهم أو يجب أن يشغلهم أو يعتقدون أنّهم بارزون فيه. لكنّي أحبّ الآن أن أبقى في الإيقونة. أيضًا، ثلاثة أشياء تعبّر عمّا رويتُهُ أمامكم. كان المطران جورج رجل توبة، وطاعة ليست لله فقط بل لله في الناس أيضًا، الإخوة والأصدقاء، القريبين والبعيدين، وكان رجل صلاة. لا أعتقد أنّ هناك منبتًا لأيّ شيء يعتقد الناس أنّ هذا الأسقف تميّز به من دون أن تكون فيه هذه الثلاثة أساسًا. لاحظوا يسوع مع تلاميذه الرسل. درّبهم على أنّ الكلمةَ لا يحملها فعلاً سوى الذي يرتضي أن تحمله الكلمةُ إلى الله والناس (في التوبة والطاعة والصلاة) أو تأتيه من الله مباشرةً أو من الناس. باختصار، كان المطران جورج في علاقاته مثلاً حيًّا لما يريده أن يمتدّ. هذه هي العلاقة التي تقوم على الحقّ. كان يتكلّم. ولكنّه كان أيضًا، يصغي كثيرًا. كان يستقبل الناس، ولكنّه كثيرًا ما يشعرهم أنّهم هم الذين يستقبلونه، في داره. كان قريبًا وبعيدًا، هنا وليس هنا. هو الأسقف الذي في داره غريب! "حسن أن نكون هنا"! كان يعطيك، إن كلّمتَهُ، هذا الشعور أنّه يحبّك، أنّك مفيد له. كان يكوّنك فيما يريدك أن تعرف أنّك تكوّنه أيضًا. أترك للإخوة الذين تبنّاهم بالحبّ أو صادقهم أن يخبروا عن عريهم وسطحيّتهم… قبل أن يشلح عليهم هو جبّة محبّته الصانعة والتي لا تعرف سوى أن تشجّع…

هذا كلّه من سرّ الإيقونة. لا أقول إنّ المطران جورج، الأب والأخ والصديق، كان يتقصّد أن يظهر نفسه تائبًا أو طائعًا أو رجلَ صلاة. الإيقونة تظهر هي كما هي من دون أن تعلم. هي كلماته ودموعه ووجهه المفتوح دائمًا في محبّة وتواضع مخيفَين، هي التي تقول إنّك، في أيّ ما تقوله عنه، تبقى مثل إنسان يحاول أن يصف الشمس فيما يفتح عينَيه لنورها.

شارك!

جميع الحقوق محفوظة، 2023
Skip to content