كانت، قبل ترمّلها، تفني نفسها في خدمة زوجها المقعد. وافتقرت كثيرًا بعد وفاته، وأنكرها أقاربه وأقاربها طرًّا. وما كان لديها أولاد ليعينوها في شيخوختها. ولكنّ الله لم ينسها. وافتقدها بجيران كانوا لها خيرًا من أهل وأبناء. وكانت، رغم قلق الأيّام وصعابها، تحيا من محبّتهم ورعايتهم. وما يؤكّد عناية الله بها وعجائبه الوفرة، أنّها كانت تستدين حاجاتها من محالّ الحيّ التجاريّة، وأنّ شخصًا أفيقًا كان يدفع ثمن كلّ غرض تأخذه، ولم تعرف يومًا من هو!
ثمّ مرضت. واختبرت أيضًا تدخّل الله في حياتها، إذ إنّ الطبيب، الذي قصدته، بَلَغ منه وضعها. فعاينها، وأخضعها إلى ما تحتاج إليه من فحوص، من دون أن يطلب منها قرشًا واحدًا.
لم يسمعها أحد، يومًا، تشكو، أو تتذمّر. كانت كلّها رضى، و"كلّها صلاة". وقبل أن ترقد بسلام، استدعت كاهن رعيّتها، الذي شارك في رعايتها مع بعض أبناء رعيّته، وأودعته أمانة. قالت له: لقد عشت حياة ملؤها التعب، ولم يرزقني الله أولادًا. ولكنّي اختبرت الأمومة في أبناء الحيّ الذي أقطنه، وأنت تعرفهم، وتعرف ما فعلوه من أجلي. أريدك أن تصلّي لهم ليبقوا ثابتين في المحبّة، ويكافئهم الله، ويزيدهم من نعمه. وأريدك، بالأخصّ، أن تصلّي لكلّ من أنكرني حتّى يفتح الله قلبه، ويعرف أنّ الإنسان لا قيمة له إلاّ إذا انغمس في عمل الخير. وأريدك أيضًا أن تصلّي لي حتّى إذا كان ظلم هؤلاء وظلامهم ردّ فعل على سيّئة ارتكبتها بحقّهم، عن غير قصد، رحمني الله ومحا إثمي!